(ابْنُ عَوْفٍ وَمَشُورَتُهُ عَلَى عُمَرَ بِشَأْنِ بَيْعَةِ أَبِي بَكْرٍ)

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: …
وَكَانَ مِنْ حَدِيثِ السَّقِيفَةِ حِينَ اجْتَمَعَتْ بِهَا الْأَنْصَارُ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ، حَدَّثَنِي عَنْ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِي، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، قَالَ: وَكُنْتُ فِي مَنْزِلِهِ بِمنَى أَنْتَظِرُهُ، وَهُوَ عِنْدَ عُمَرَ فِي آخِرِ حِجَّةٍ حَجَّهَا عُمَرُ، قَالَ: فَرَجَعَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ مِنْ عِنْدِ عُمَرَ، فَوَجَدَنِي فِي مَنْزِلِهِ بِمنَى أَنْتَظِرُهُ، وَكُنْتُ أُقْرِئُهُ الْقُرْآنَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، فَقَالَ لِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: لَوْ رَأَيْتُ رَجُلًا أَتَى أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، هَلْ لَكَ فِي فُلَانٍ يَقُولُ: وَاَللَّهِ لَوْ قَدْ مَاتَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لَقَدْ بَايَعْتُ فُلَانًا، وَاَللَّهِ مَا كَانَتْ بَيْعَةَ أَبِي بَكْرٍ إلَّا فَلْتَةٌ فَتَمَّتْ.
قَالَ: فَغَضِبَ عُمَرُ، فَقَالَ: إنِّي إنْ شَاءَ اللَّهُ لَقَائِمٌ الْعَشِيَّةَ فِي النَّاسِ، فَمُحَذِّرُهُمْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَغْصِبُوهُمْ أَمْرَهُمْ، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَا تَفْعَلْ، فَإِنَّ الْمَوْسِمَ يَجْمَعُ رِعَاعَ النَّاسِ وَغَوْغَاءَهُمْ، وَإِنَّهُمْ هُمْ الَّذِينَ يَغْلِبُونَ عَلَى قُرْبِكَ، حِينَ تَقُومُ فِي النَّاسِ، وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ تَقُومَ فَتَقُولُ مَقَالَةً يَطِيرُ بِهَا أُولَئِكَ عَنْكَ كُلَّ مَطِيرٍ، وَلَا يَعُوهَا وَلَا يَضَعُوهَا عَلَى مَوَاضِعِهَا، فَأَمْهِلْ حَتَّى تَقْدَمَ الْمَدِينَةَ فَإِنَّهَا دَارُ السُّنَّةِ، وَتَخْلُصُ بِأَهْلِ الثِّقَةِ وَأَشْرَافِ النَّاسِ فَتَقُولُ مَا قُلْتُ بِالْمَدِينَةِ مُتَمَكِّنًا، فَيَعِيَ أَهْلُ الْفِقْهِ مَقَالَتَكَ، وَيَضَعُوهَا عَلَى مَوَاضِعِهَا، قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: أَمَا وَاَللَّهِ إنَّ شَاءَ اللَّهُ لَأَقُومَنَّ بِذَلِكَ أَوَّلَ مَقَامٍ أَقُومُهُ بِالْمَدِينَةِ.