(إِسْلَامُهُ وَشَيْءٌ مِنْ شِعْرِهِ)

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ رَجُلًا قَدْ تَرَهَّبَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَلَبِسَ الْمُسُوحَ، …

وَفَارَقَ الْأَوْثَانَ، وَاغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ وَتَطَهَّرَ مِنْ الْحَائِضِ مِنْ النِّسَاءِ، وَهَمَّ بِالنَّصْرَانِيَّةِ، ثُمَّ أَمْسَكَ عَنْهَا، وَدَخَلَ بَيْتًا لَهُ، فَاِتَّخَذَهُ مَسْجِدًا لَا تَدْخُلُهُ عَلَيْهِ فِيهِ طَامِثٌ وَلَا جُنُبٌ، وَقَالَ: أَعْبُدُ رَبَّ إبْرَاهِيمَ، حَيْنَ فَارَقَ الْأَوْثَانَ وَكَرِهَهَا، حَتَّى قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، فَأَسْلَمَ وَحَسُنَ إسْلَامُهُ، وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ، وَكَانَ قَوَّالًا بِالْحَقِّ مُعَظِّمًا للَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي جَاهِلِيَّتِهِ، يَقُولُ أَشْعَارًا فِي ذَلِكَ حِسَانًا- وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ:
يَقُولُ أَبُو قَيْسٍ وَأَصْبَحَ غَادِيًا: أَلَا مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ وَصَاتَى فَافْعَلُوا
فَأُوصِيكُمْ باللَّه وَالْبِرِّ وَالتُّقَى وَأَعْرَاضِكُمْ، وَالْبِرُّ باللَّه أَوَّلُ
وَإِنْ قَوْمُكُمْ سَادُوا فَلَا تَحْسُدُنَّهُمْ وَإِنْ كُنْتُم أهل الرِّئَاسَة فَاعْدِلُوا
وَإِنْ نَزَلَتْ إحْدَى الدَّوَاهِي بِقَوْمِكُمْ فَأَنْفُسَكُمْ دُونَ الْعَشِيرَةِ فَاجْعَلُوا
وَإِنْ نَابَ غُرْمٌ فَادِحٌ فَارْفُقُوهُمْ وَمَا حَمَّلُوكُمْ فِي الْمُلِمَّاتِ فَاحْمِلُوا
وَإِنْ أَنْتُمْ أَمْعَرْتُمْ فَتَعَفَّفُوا وَإِنْ كَانَ فَضْلُ الْخَيْرِ فِيكُمْ فَأَفْضِلُوا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُرْوَى:
وَإِنْ نَابَ أَمْرٌ فَادِحٌ فَارْفِدُوهُمْ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ أَبُو قَيْسٍ صِرْمَةَ أَيْضًا:
سَبِّحُوا اللَّهَ شَرْقَ كُلِّ صَبَاحٍ طَلَعَتْ شَمْسُهُ وَكُلِّ هِلَالِ 
عَالِمَ السِّرِّ وَالْبَيَانِ لَدَيْنَا لَيْسَ مَا قَالَ رَبُّنَا بِضَلَالِ
وَلَهُ الطَّيْرُ تَسْتَرِيدُ وَتَأْوِي فِي وُكُورٍ مِنْ آمِنَاتِ الْجِبَالِ 
وَلَهُ الْوَحْشُ بِالْفَلَاةِ تَرَاهَا فِي حِقَافٍ وَفِي ظِلَالِ الرِّمَالِ 
وَلَهُ هَوَّدَتْ يَهُودُ وَدَانَتْ كُلَّ دِينٍ إذَا ذَكَرْتَ عُضَالِ 
وَلَهُ شَمَّسَ النَّصَارَى وَقَامُوا كُلَّ عِيدٍ لِرَبِّهِمْ وَاحْتِفَالِ
وَلَهُ الرَّاهِبُ الْحَبِيسُ تَرَاهُ رَهْنَ بُوْسٍ وَكَانَ نَاعِمَ بَالِ 
يَا بَنِيَّ الْأَرْحَامَ لَا تَقْطَعُوهَا وَصِلُوهَا قَصِيرَةً مِنْ طِوَالِ 
وَاتَّقُوا اللَّهَ فِي ضِعَافِ الْيَتَامَى رُبَّمَا يُسْتَحَلُّ غَيْرُ الْحَلَالِ
وَاعْلَمُوا أَنَّ لِلْيَتِيمِ وَلِيًّا عَالِمًا يَهْتَدِي بِغَيْرِ السُّؤَالِ
ثُمَّ مَالَ الْيَتِيمِ لَا تَأْكُلُوهُ إنَّ مَالَ الْيَتِيمِ يَرْعَاهُ وَالِي
يَا بَنِيَّ، التُّخُومَ لَا تَخْزِلُوهَا إنَّ خَزْلَ التُّخُومِ ذُو عُقَّالِ 
يَا بَنِيَّ الْأَيَّامَ لَا تَأْمَنُوهَا وَاحْذَرُوا مَكْرَهَا وَمَرَّ اللَّيَالِي
وَاعْلَمُوا أَنَّ مرّها لنفاد الْخلق مَا كَانَ مِنْ جَدِيدٍ وَبَالِي
وَاجْمَعُوا أَمْرَكُمْ على البرّ والتّقوى وَتَرْكِ الْخَنَا وَأَخْذِ الْحَلَالِ
وَقَالَ أَبُو قَيْسٍ صِرْمَةُ أَيْضًا، يَذْكُرُ مَا أَكْرَمَهُمْ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِهِ مِنْ الْإِسْلَامِ، وَمَا خَصَّهُمْ اللَّهُ بِهِ مِنْ نُزُولِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ:
ثَوَى فِي قُرَيْشٍ بِضْعَ عَشْرَةَ حِجَّةً يُذَكِّرُ لَوْ يَلْقَى صَدِيقًا مُوَاتِيَا
وَيَعْرِضُ فِي أَهْلِ الْمَوَاسِمِ نَفْسَهُ فَلَمْ ير من يؤوى وَلَمْ يَرَ دَاعِيَا
فَلَمَّا أَتَانَا أَظْهَرَ اللَّهُ دِينَهُ فَأَصْبَحَ مَسْرُورًا بطِيبةَ رَاضِيَا
وَأَلْفَى صِدِّيقًا وَاطْمَأَنَّتْ بِهِ النَّوَى وَكَانَ لَهُ عَوْنًا مِنْ اللَّهِ بَادِيَا
يَقُصُّ لَنَا مَا قَالَ نُوحٌ لِقَوْمِهِ وَمَا قَالَ مُوسَى إذْ أَجَابَ الْمُنَادِيَا
فَأَصْبَحَ لَا يَخْشَى مِنْ النَّاسِ وَاحِدًا قَرِيبًا وَلَا يَخْشَى مِنْ النَّاسِ نَائِيَا
بَذَلْنَا لَهُ الْأَمْوَالَ مِنْ حِلِّ مَالِنَا وَأَنْفُسَنَا عِنْدَ الْوَغَى والتَّآسِيا
وَنَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ لَا شَيْءَ غَيْرُهُ وَنَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ أَفْضَلُ هَادِيَا
نُعَادِي الَّذِي عَادَى مِنْ النَّاسِ كلِّهُمْ جَمِيعًا وَإِنْ كَانَ الْحَبِيبَ الْمُصَافِيَا
أَقُولُ إذَا أَدْعُوكَ فِي كُلِّ بَيْعَةٍ: تَبَارَكْتَ قَدْ أَكْثَرْتُ لِاسْمِكَ دَاعِيَا
أَقُولُ إذَا جَاوَزْتُ أَرْضًا مَخُوفَةً حَنانَيْكَ لَا تُظْهِرْ عَلَيَّ الْأَعَادِيَا
فَطَأْ مُعْرِضًا إنَّ الْحُتُوفَ كَثِيرَةٌ وَإِنَّكَ لَا تُبْقِي لنَفسك بَاقِيا
فو الله مَا يَدْرِي الْفَتَى كَيْفَ يَتَّقِي إذَا هُوَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ اللَّهُ وَاقِيَا
وَلَا تَحْفِلُ النَّخْلُ الْمُعِيمَةُ رَبَّهَا إذَا أَصبَحت ريّا وأصبحت ثَاوِيَا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْبَيْتُ الَّذِي أَوَّلُهُ:
فَطَأْ مُعْرِضًا إنَّ الْحُتُوفَ كَثِيرَةٌ
وَالْبَيْتُ الّذي يَلِيهِ:
فو الله مَا يَدْرِي الْفَتَى كَيْفَ يَتَّقِي
لِأَفْنُونَ التَّغْلِبِيِّ، وَهُوَ صُرَيْمُ بْنُ مَعْشَرٍ، فِي أَبْيَاتٍ لَهُ.