قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: …
وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدَّتِهِ أَسَمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ: لَمَّا وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذِي طُوَى قَالَ أَبُو قُحَافَةَ لِابْنَةِ مِنْ أَصْغَرِ وَلَدِهِ: أَيْ بُنَيَّةُ، اظْهَرِي بِي عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ، قَالَتْ: وَقَدْ كُفَّ بَصَرُهُ، قَالَتْ: فَأَشْرَفَتْ بِهِ عَلَيْهِ، فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّةُ، مَاذَا تَرَيْنَ؟ قَالَتْ: أَرَى سَوَادًا مُجْتَمِعًا، قَالَ: تِلْكَ الْخَيْلُ، قَالَتْ: وَأَرَى رَجُلًا يَسْعَى بَيْنَ يَدَيْ ذَلِكَ مُقْبِلًا وَمُدْبِرًا، قَالَ: أَيْ بُنَيَّةُ، ذَلِكَ الْوَازِعُ، يَعْنِي الَّذِي يَأْمُرُ الْخَيْلَ وَيَتَقَدَّمُ إلَيْهَا، ثُمَّ قَالَتْ: قَدْ وَاَللَّهِ انْتَشَرَ السَّوَادُ، قَالَتْ: فَقَالَ:
قَدْ وَاَللَّهِ إذَنْ دُفِعَتْ الْخَيْلُ، فَأَسْرِعِي بِي إلَى بَيْتِي، فَانْحَطَّتْ بِهِ، وَتَلَقَّاهُ الْخَيْلُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى بَيْتِهِ، قَالَتْ: وَفِي عُنُقِ الْجَارِيَةِ طَوْقٌ مِنْ وَرِقٍ، فَتَلَقَّاهَا رَجُلٌ فَيَقْتَطِعُهُ مِنْ عُنُقِهَا، قَالَتْ: فَلَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ، وَدَخَلَ الْمَسْجِدَ، أَتَى أَبُو بَكْرٍ بِأَبِيهِ يَقُودُهُ، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “هَلَّا تَرَكْتُ الشَّيْخَ فِي بَيْتِهِ حَتَّى أَكُونَ أَنَا آتِيَهُ فِيهِ؟” قَالَ أَبُو بَكْرٍ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، هُوَ أَحَقُّ أَنْ يَمْشِيَ إلَيْكَ مِنْ أَنْ تَمْشِيَ إلَيْهِ أَنْتَ، قَالَ: (قَالَتْ) : فَأَجْلَسَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ مَسَحَ صَدْرَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: “أَسْلِمْ، فَأَسْلَمَ“، قَالَتْ: فَدَخَلَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ وَكَأَنَّ رَأْسُهُ ثَغَامَةً، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “غَيِّرُوا هَذَا مِنْ شَعَرِهِ“، ثُمَّ قَامَ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ بِيَدِ أُخْتِهِ، وَقَالَ: أُنْشِدُ اللَّهَ وَالْإِسْلَامَ طَوْقَ أُخْتِي، فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ، قَالَتْ: فَقَالَ: أَيْ أُخَيَّةُ، احتسبي طوقك، فو الله إنَّ الْأَمَانَةَ فِي النَّاسِ الْيَوْمَ لَقَلِيلٌ.