4 شوال 5 هـ
1 آذار 627 م
يوميّات غزوة الأحزاب: اليوم الثاني عشر

غزوة الأحزاب (حصار الأحزاب للمدينة المنورة – اليوم الأوّل)

وفي ليلته نزلت جيوش الأحزاب حول #~~~المدينة المنوَّرة~~~#، فكانت قُريش في أربعة آلاف مُقاتل ومن معها من العرب: قبيلة سُلَيْم في سبعمائة مُقاتل، وقبيلة أَسَد في حوالي ألف مُقاتل، وغَطَفَان وقبائلها الفرعيّة: فزارة وهم ألف مُقاتل يقودهم عُيينة بن حصن الفزاري، وأَشْجَع ويقودهم مسعود بن رُخيلة في أربعمائة، وبنو مُرَّة وقائدهم الحارث بن عوف المُرِّي في أربعمائة، فهذه حوالي سبعة آلاف وخمسمائة مُقاتل، يقود الجيوش كلّها أبو سفيان بن حرب.

ونزلت قُريش في امتداد #~~~وادي العقيق~~~# غرب #~~~جبل سَلْع~~~#، ونزلت غَطَفَان في أوّل #~~~الغابة~~~# بجوار #~~~جبل أُحُد~~~#،  وقد سرّحت قُريش إبلها تأكل من الأعشاب البريّة في الوادي، ولم يجدوا مرعى للخيل فاكتفوا بإطعامها ما حملوه معهم من علف، وسرّحت غطفان إبلها وخيلها بالغابة وكانت الأمطار شحيحة في هذا الموسم والمرعى قليل الزرع جدًا قد حصده أهل المدينة أو رعوا فيه ماشيتهم الشهر الماضي فلم يبق فيه شيء.

وكان في الخندق بعض ثغرات صغيرة، منها واحدة مثل الجسر الضَّيْق ناحية #~~~أُطُم المذاد~~~# كان النّبي صلى الله عليه وآله وسلَّم يحرسها ليلًا بنفسه الشريفة، وكان الليل قارص البرودة، وعائشة أم المؤمنين رضي الله عنها في الخيمة عند #~~~معسكر الخندق~~~#، فإذا اشتدّ البرد على النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم دخل يتدفأ في الخيمة قليلًا.

كانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تقول: “كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يختلف إلى ثُلمة-ثغرة- في الخندق يحرسها، حتى إذا آذاه البرد جاءني فأدفأته في حضني، فإذا دَفِئ خرج إلى تلك الثُّلمة يحرسها”، ويقول لها النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «ما أخشى أن يؤتَى النّاس إلا منها»، وبينما النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم في حضن السيدة عائشة رضي الله عنها قد تدفأ يريد أن يستريح قليلًا، فقال: “ليت رجلًا صالحًا يحرسني”، فسمع النّبي صلى الله عليه وآله وسلَّم والسيدة عائشة صوت قعقعة السلاح وملابس الحرب الحديديّة، كأنّ أحدهم يقترب من الخيمة ويرتدي درعه الكامل، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «ما هذا؟»، فقال القادم: “سعد بن أبي وقاص”، قال صلى الله عليه وآله وسلم: «عليك بهذه الثغرة فاحرسها».

تقول السيّدة عائشة رضي الله عنها: “ونام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى سمعت غطيطه”، وتقول: “ما زلت أحب سعد بن أبي وقّاص من تلك اللّيلة”، فإنّ الله استجاب لنبيّه بأن جعل سعد يحرس الثغرة نيابة عنه ليستريح صلى الله عليه وآله وسلَّم قليلًا.

حُييّ بن أخطب النّضري يُقنع بنو قريظة بنقض العهد
وفيه دخل حُيَيّ بن أخطب اليهودي ديار بنو قُريظة، وكرهوا دخوله، وكانوا يرونه مشؤومًا وهو سبب جلاء قومه عن المدينة بتعنته وسوء تصرّفه وحربهم للنبي صلى الله عليه وآله وسلَّم، فكان أوّل من لقيه من بني قُريظة: غزال بن سموأل، فقال حُيَيّ: “قد جئتك بما تستريح به من محمد، هذه قُريش قد حلّت وادي العقيق، وغطفان بالزّغابة”، قال غزال: “جئتنا والله بذل الدّهر”، قال حُيَيّ: “لا تقل هذا!”، ثم سار إلى بيت كعب بن أسد -رئيس بنو قريظة-، فدقّ عليه الباب، فعرفه كعب وقال: “ما أصنع بدخول حُيَيّ عليّ؟ رجلٌ مشؤوم قد شأم قومه وهو الآني يدعوني إلى نقض العهد!”، فدقّ عليه حُيَيّ الأخرى، فقال له كعب من وراء الباب: “إنك امرؤ مشؤوم قد شأمت قومك حتى أهلكتهم فارجع عنّا فإنك إنما تريد هلاكي وهلاك قومي!”.

وحُيَيّ واقف يدُقّ الباب يُصرّ على الدخول ويرفض أن يرجع ويتركه. فقال كعب: “يا حُيَيّ، إني عاقدت محمدًا وعاهدته، فلم نر منه إلا صدقًا؛ والله ما أخفَرَ لنا ذِمَةً ولا هَتَك لنا سِترًا، ولقد أحسن جِوارنَا”، فقال حُيَيّ: “ويحك!، إني قد جئتك ببحر طام، وبعِزّ الدَّهْر، جئتك بقريش على قادتها وسادتها، وجئتك بكنانة حتى أنزلتهم ب#~~~رومة~~~#، وجئتك بغَطَفَان على قادتها وسادتها حتى أنزلتهم بالغابة إلى #~~~نقمى~~~#، قد قادوا الخيل وامتطوا الإبل والعدد عشرة آلاف والخيل ألف فرس وسلاح كثير، ومحمد لا يفلت في فورنا هذا، وقد تعاقدوا وتعاهدوا ألا يرجعوا حتى يستأصلوا مُحمدًا ومن معه”.

قال كعب: “ويحك!، جئتني والله بِذُلِّ الدهر، وبسحاب يبرق ويرعد ليس فيه شيء -بلا فائدة لأنّه لا يُمطر-، وأنا في بحر لُجّيّ لا أقدر على أن أريم داري، ومالي معي والصبيان والنساء فارجع عني، فإنه لا حاجة لي فيما جئتني به!”، قال حُيَيّ: “ويحك أُكَلِّمَك؟!”، قال كعب: “ما أنا بفاعل”، قال حُيَيّ: “والله ما أغلَقت دوني إلا حتى لا آكل معك طعامك الذي تأكل، فلك ألّا أُدخِل يدي في طعامك”، فاغتاظ كعب من كلامه ففتح الباب، فدخل عليه حُيَيّ، فما زال يُراوضه بالكلام حتى لان له كعب، قال كعب: “ارجع عني يومك هذا حتى أشاور رؤساء اليهود”، قال حُيَيّ: “قد جعلوا العهد والعقد إليك، فأنت ترى لهم”، وأخذ يُلِحّ عليه حتى جعله يغيّر رأيه، فقال كعب: “يا حُيَيّ، قد دخلت فيما ترى كارهًا له، وأنا أخشى ألا يُقتل مُحمد وتنصرف قُريش إلى بلادها، وترجع أنت إلى أهلك، وأبقى في عُقر الدّار وأُقتَل ومن معي!”، قال حُيَيّ: “لك ما في التوراة التي أُنزلت على موسى يوم طور سيناء، لئن لم يُقتل محمد في هذه الفورة ورجعت قُريش وغطفان قبل أن يُصيبوا محمدًا، لأدخلنّ معك حصنك حتى يصيبني ما أصابك”.

بنو قريظة ينقضون العهد ويمارسون الخيانة العظمى وقت الحرب
فنقض كعب العهد الذي بينه وبين النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم والمسلمين، وطلب حُيَيّ الوثيقة التي كتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم بينهم فشقَّها نصفين، وأيقن حُيَيّ أنّه لا رجعة في خُطّته الخبيثة، فخرج على بني قُريظة وهم ملتفّون حول بيت كعب لما علموا بوجوده عنده، فأخبرهم بما اتّفق عليه مع كعب وتمزيقهم لوثيقة العهد على ما في دستور المدينة المنوَّرة فقال الزبير بن باطا: “وا هلاك اليهود، تُوَلّي قُريش وغَطَفَان ويتركوننا في عُقر دارنا وأموالنا وأولادنا، ولا قوّة لنا بمحمدّ، هلك اليهود وضاعت اليهوديّة من يثرب للأبد!”.

وجمع كعب بن أسد رؤساء يهود بني قُريظة الخمس في بيته يُعِلِمْهُم بقراره وهُم: الزّبير بن باطا، ونبّاش بن قيس، وغزال بن سمؤال، وعُقبة بن زيد، وكعب بن زيد، فأخبرهم بما دار بينه وبين حُيَيّ، وما وعده حُيَيّ من أن يدخل معه في حصنهم فيصيبه ما أصابه، فقال له الزبير بن باطا: “وما حاجتك إلى أن نُقتَل ويُقتَل معك حُيَيّ؟؟”، فأُسكِت كعب، وقالوا: “نحن نكره أن نُخالفك أو ترجع في رأي عزمت عليه، لكن حُيَيّ كما عرفت مشؤومًا”، ونَدِم كعب بن أسَد بعدما سمع من قومه، لكن بعد فوات الأوان، فقد خرج حُيَيّ في بني قُريظة ومن وافقه من رؤسائهم فبدأوا بالتّحصُن وإعلان الحرب على المدينة المنوَّرة من جنوبها، يتحيّنون الفرصة التي تهجم فيها قُريش وغطفان فيهجمون معهم فيقضون على المسلمين جميعًا.