5 شوال 5 هـ
2 آذار 627 م
يوميّات غزوة الأحزاب: اليوم الثالث عشر

غزوة الأحزاب (حصار الأحزاب للمدينة المنورة – اليوم الثاني)

وفيه استمرّت إقامة النّبي صلى الله عليه وآله وسلَّم ومعه المسلمون عند #~~~الخندق~~~# للحراسة وصدّ هجوم الأحزاب، وقريش عسكرت في #~~~وادي العقيق~~~#، وعسكرت غطفان في جنوب #~~~الغابة~~~#، وذهب حُيَيّ بن أخطب النّضري فأقنع كعب بن أسد ويهود بنو قُريظة بتمزيق العهد بينهم وبين النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم وأقنعهم أنّه قد جاء بالعرب ليقتله ويستأصل الإسلام، فوافقوه على مضض وبعد إلحاح، ثم قَطَّعَ الوثيقة التي كتبها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بينه وبين قُريظة ورئيسها كعب بن أسد وفيها الامتثال لدستور المدينة المنوَّرة.

 

سريّة الزبير بن العوّام رضي الله عنه إلى بني قريظة
وفيه عَرَفَ عُمر بن الخطّاب رضي الله عنه بخبر نقض بنو قريظة العهد، وكان بالمدينة، فانطلق مُسرعًا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم، والنبي صلى الله عليه وآله وسلَّم في خيمته عند #~~~معسكر الخندق~~~#، ومعه أبو بكر رضي الله عنه، والمسلمون معهم بضعة وثلاثون فرسًا يطوفون بها على الخندق لتأمين حِراساته، وعند كل منطقة مجموعة حراسات ثابتة يَمُرّ عليها الفُرسان يتممون عليها.

فدخل عُمر وقال: “يا رسول الله بلغني أن بني قُريظة نقضت العهد وحاربت”، فاشتدّ ذلك على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: «حسبنا الله ونعم الوكيل»، وقال: «من نبعث يتأكد من الخبر؟»، فقال عُمَر: “الزبير بن العوّام”، فطلبه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال: «اذهب إلى #~~~بني قُريظة~~~# فأتنا بخبرهم»، فذهب الزبير رضي الله عنه فاستطلع أخبارهم، ثم رجع فقال: “يا رسول الله، رأيتهم يُصلحون حُصونهم وطُرُقَهُم، وقد جمعوا ماشيتهم” -يتجهزون لشيء ما بتهيئة الحصون والطُّرُقات بينها وقد جمعوا الماشية إلى داخل الحصون-، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلّم: «إن لكل نبي حواريًّا، وحواريّ الزبير وابن عمّي»، فقد جاء بالخبر اليقين رضي الله عنه، وبقي التأكيد الذي لا يكون معه شَكّ، وهو إرسال وفد من حُلفائهم من مسلمي الأنصار للوقوف على حقيقة ما شرعوا فيه.

بعث قادة الأنصار إلى بني قريظة لإثنائهم عن نقض العهد
ثم طلب النّبي صلى الله عليه وآله وسلَّم قادة الأنصار وحُلفاء يهود بنو قُريظة من المسلمين، وهُم سعد بن مُعاذ وهو من بني عبد الأشهل وقائد الأوس، وسعد بن عُبادة من بني ساعدة وهو قائد الخزرج، وأُسيد بن حُضير، وعبد الله بن روّاحة من بني الحارث من الخزرج، وخوّات بن جُبير من بني عمرو بن عوف من الأوس رضي الله عنهم، فقال: «إنّه قد بلغني أن بني قريظة قد نقضوا العهد الذي بيننا وبينهم وحاربوا، فاذهبوا فانظروا إن كان ما بلغني حقًّا؛ فإن كان باطلًا فأظهِروا القَوْل وإن كان حقًّا فتكلموا بكلام تلحنون لي به أعرفه، ولا تفتّوا أعضاد المسلمين» -يعني لمّحوا لي دون تصريح حتى لا تتأثر الروح المعنويّة للمسلمين-.

فركبوا حوالي 6.5 كم في ربع ساعة تقريبًا -بالخيل- حتى وصلوا عند كعب بن أسد، وعرفوا أنّ يهود بنو قُريظة قد نقضوا العهد بعد تآمر حُيَيّ بن أخطب اليهودي معهم وتأليبهم على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقالوا: “نناشدكم الله والعهد الذي كان بيننا أن ترجعوا إلى ما كُنتم عليه، وألّا تُطيعوا حُيَيّ بن أخطب”، فقال كعب بن أسد: “والله لا نعود أبدًا، قد قَطَّعته كما قَطَّعت نعلي هذا”، وشتم كعب بن أسد سعدَ بن مُعاذ، فقال أُسيد بن حُضير: “تَسُبّ سيّدَك يا عدو الله؟ ما أنت له بكُفء، أما والله يا ابن اليهود لتُولِيَنّ قُريش إن شاء الله مُنهزمة وتترُكك في عُقر دارك، فنسير إليك فتنزل من جُحرِك هذا على حُكمنا، وإنّك لتعلم النضّير كانوا أعزّ منك وأعظم بهذه البلدة، دِيَّتُك نصف دِيَّتِهم، قد رأيت ما صنع الله بهم، وقبل ذلك بنو قينقاع، نزلوا عل حُكمنا”.

قال كعب بن أسد: “يا ابن الحُضير تخوفونني بالمسير إليّ؟ أما والتّوراة لقد رآني أبوك يوم بُعاث، لولا نحن لأخرَجَتْه الخزرج منها -المدينة-، إنكم والله ما لقيتم أحدًا يُحسن القِتال ولا يعرفه، نحن والله نُحسن قتالكم”، ونالوا من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن المسلمين بأقبح الألفاظ، وشتم نبّاش بن قيس اليهودي سعد بن عُبادة بأقذع الألفاظ، وانتفض سعد رضي الله عنه من الغضب. فقال له سعد بن مُعاذ: “دعهم فإنّا لم نأت لهذا، ما بيننا أشد من المشاتمة -الحرب-، إنّي أخاف عليكم مثل يوم بني النّضير”، فشتمه غزال بن سموأل، فانصرفوا عائدين في ربع ساعة أُخرى إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم فقالوا: “عضل والقارة” -يقصدون أنّ بنو قريظة غدرت كما غدرت عضل والقارة بالمجموعة التي أرسلها النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى الرّجيع فقتلوهم-، ثم جلسوا، فكبّر النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم وقال: «أبشروا يا معشر المُسلمين بنصر الله وعونه».

وانتشر الخبر بين المُسلمين واشتدّ الخوف، فقد جاء العدو من فوقهم -قُريش وغطفان- ومن أسفل منهم -بنو قُريظة-، فأصابهم الهمّ والغم، وزاد خوفهم من بني قُريظة أن تقتحم المدينة ليلًا فتهجم على الحصون التي بها النساء والأطفال، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم يرفع معنويّاتهم ويبشرهم بنصر الله وانكشاف الأزمة: “إني لأرجو أن أطوف بالبيت العتيق وآخذ المفتاح، وليُهلكن الله كسرى وقيصر ولتنفقن أموالهم في سبيل الله”، فتكلَّم المنافقون يُضعفون من عزيمة المسلمين ويدمّرون معنوياتهم فقال بعضهم: “يعدنا محمد كنوز كسرى وقيصر، وأحدنا لا يأمن أن يذهب إلى قضاء حاجته، ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورًا”، وفيه نزل قوله تعالى في سورة الأحزاب: {إِذْ جَآءُوكُمْ مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ ٱلأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ ٱلْقُلُوبُ ٱلْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِٱللَّهِ ٱلظُّنُونَاْ} {هُنَالِكَ ٱبْتُلِيَ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُواْ زِلْزَالاً شَدِيداً} {وَإِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً} [الأحزاب:10-12].