5 شعبان 2 هـ
4 شباط 624 م
يوميّات سريَّة عبد الله بن جحش إلى نخلة اليمانيّة ثم تحويل القبلة إلى الكعبة المشرفة وفرض صيام رمضان: اليوم السابع عشر

وفي ليلته أمسى عبد الله بن جحش ومن معه عند #~~~الجثجاثة~~~# في طريق عودتهم من سريّة نخلة اليمانيّة، …

فصلوا المغرب والعشاء وباتوا أول الليل، ثم ساروا حوالي 25 كم في خمس ساعات تقريبًا حتى وصلوا #~~~المدينة المنورة~~~# “القُبّة الخضراء” وقت صلاة الصبح تقريبًا.
ولمّا وصل عبد الله بن جحش ومن معه إلى المدينة المنورة سبقته أخباره، فقال لهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «ما أمرتكم بقتال لا في الشهر الحرام ولا غيره، وإنما أمرتكم بتحسس أخبار قريش».
و أشاع المنافقون واليهود في المدينة أن السرية أغارت على القافلة في رجب -الشهر الحرام-، فأوقف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم العير والأسيرين حتى يحكم الله فيهم، وكان من توفيق الله للسرية والمسلمين أن كل من كان يرد على المدينة من مسلمي مكة يخبرون إخوانهم أن واقعة القتال قد وقعت في أول شعبان لا في رجب.
فأنزل المولى عزّ وجل على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم يردّ على ما أشاعه المشركون واليهود في المدينة: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ ٱللَّهِ وَٱلْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ ٱلْقَتْلِ} [البقرة 217]، فقسّم النّبي صلى الله عليه وآله وسلم ما أخذوه من القافلة على أفراد السريّة بعد أن أخذ منها الخُمس، وذلك على سبيل المُصادرة لأموال المشركين ردًا على تجريد المشركين للمهاجرين من أموالهم والاستيلاء عليها ظلمًا وقت الهجرة، لا على سبيل غنائم الحرب الناشئة عن القتال والتي نزل بها التشريع بعد غزوة بدر الكُبرى كما سيأتي بإذن الله تعالى [^1].
وفي ليلته أمسى سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان عائدين من نخلة اليمانيّة بعد أن تخلفا عن سريّة عبد الله بن جحش وقد وصلا #~~~قريب من بحران~~~#، فصليا المغرب والعشاء وباتا أول الليل ثم سارا حوالي 24 كم في خمس ساعات تقريبًا، حتى وصلا #~~~قريب من الفُرُع~~~# وقت صلاة الصبح، فصلياه بها أو قريبًا منها، ووقفا بها للاستراحة، ثم أكملا المسير حوالي 23 كم في أربع ساعات ونصف تقريبًا حتى وصلا #~~~الريان~~~# وغربت الشمس وهم هناك.

[^1]: وذكر بعض أهل السير أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقّف غنائم أهل نخلة ومضى إلى بدر الكبرى -في رمضان-، ثم رجع من بدر فقسمها مع غنائم أهل بدر وأعطى كل قومٍ حقّهم، وهو معقول إذ الغنائم لم يأت الشرع بأحكامها إلا بعد أحداث بدر الكبرى، ونزول سورة الأنفال، قال تعالى: {وَٱعْلَمُوۤا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنْتُمْ بِٱللَّهِ وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ ٱلْفُرْقَانِ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الأنفال:41]، لكن أحكام الأسرى التفصيلية أيضًا لم تنزل إلا بعد بدر، واتفق أهل السير على أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد قَبِلَ إطلاق أحد الأسيرين -وهو عثمان بن المغيرة-، بعد أن أسلم الآخر -وهو الحكم بن كيسان-، وهو ما يجعلنا نميل إلى أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قسّمها وقتها وكذا تعامل مع الأسيرين، ولم تكن تلك حربًا، وكانت قبلها السرايا تخرج لمعارضة القوافل عسى أن تصيبها لمصادرة أموال المشركين لصالح المسلمين بعدما جرّدوهم من أموالهم بمكّة، فالقسمة هنا على سبيل المصادرة لا على سبيل الغنيمة الحربيّة، وإن كان الاسم والحكم واحد في كُتُب السير والفقه، والله أعلم.