مولد الهدى والنور

فضيلة الشيخ سعيد حجاوي

عمّان- المملكة الأردنيّة الهاشميّة

هَذا محمدٌ الهادي الذي محيتْ  **  عنا بنورِ هُداهُ الظُلْمُ والظُلَمُ

يعني المولد أو الميلاد وقت الولادة، والمولد أيضاً الموضع الذي فيه المولود قال تعالى: {وَٱلسَّلاَمُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ} [مريم: 33](1).

وقال تعالى: {وَسَلاَمٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ} [مريم: 15]، والمتأمل في مولد سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم يجده مختلفاً في الزمان والمكان عن مولد أي إنسان بتقدير الله تبارك وتعالى، ميلاد تعدى الزمان والمكان، وعناية يعجز عنها الخلق، وتهيئ لحقيقة المولود «والحقائق تقصر عقولنا عن معرفتها، وإنما يعلمها خالقها، ومن أمده الله تعالى بنور إلهي،
فحقيقة النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أتاه الله وصف النبوة من قبل خلق آدم؛ إذ خلقها تهيئة لذلك، وأفاضه عليها من ذلك الوقت، فصار نبياً، وكتب اسمه على العرش، وأخبر عنه بالرسالة ليُعلم ملائكته، وغيرهم كرامته عنده، فحقيقته موجودة من ذلك الوقت، وإن تأخر جسده المتصف بها»(2).

ودليل ما ورد قول الله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ ٱلنَّبِيِّيْنَ لَمَآ آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذٰلِكُمْ إِصْرِي قَالُوۤاْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَٱشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُمْ مِّنَ ٱلشَّاهِدِينَ (81) فَمَنْ تَوَلَّىٰ بَعْدَ ذٰلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ} [آل عمران: 81 – 82] فقد أخذ الله عز وجل ميثاق جميع الأنبياء فمن لم يؤت الكتاب فهو في حكم من أوتي الكتاب؛ لأنه أوتي الحكم والنبوة،
وأيضاً من لم يؤت الكتاب أُمر بأن يأخذ بكتاب من قبله (3).
نعم أخذ «الله ميثاق النبيين أجمعين أن يؤمنوا بمحمد عليه السلام، وينصروه إن أدركوه، وأمرهم أن يأخذوا بذلك الميثاق على أممهم »(4)، امتثالًا لقوله تعالى: {ثُمَّ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ} (قال علي وابن العباس رضي الله عنهم: الرسول هو محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ولفظ رسول وإن كان نكرة فالإشارة
إلى معين كقوله تعالى: {وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَاقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلْجُوعِ وَٱلْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ (112) وَلَقَدْ جَآءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ} [النحل: 112-113](5).
فالرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم هو خاتم النبيين وأفضلهم وأشرفهم فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «جَلَسَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْتَظِرُونَهُ، فَخَرَجَ حَتَّى إِذَا دَنَا مِنْهُمْ سَمِعَهُمْ يَتَذَاكَرُونَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَجَبًا إِنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ اتَّخَذَ مِنْ خَلْقِهِ إبِْرَاهِيمَ خَليِلا،ً وَقَالَ آخَرُ: مَاذَا بأِعَْجَبَ مِنْ كَلامَِ مُوسَى كَلَّمَهُ تَكْليِماً، وَقَالَ آخَرُ: فَعِيسَى كَلِمَةُ اللهِ وَرُوحُهُ، وَقَالَ آخَرُ: آدَمُ اصْطَفَاهُ الله. فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ وسَلَّمَ، وَقَالَ: قَدْ سَمِعْتُ كَلاَمَكُمْ وَعَجَبَكُمْ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلُ اللهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَمُوسَى نَجِيُّ الله، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَعِيسَى رُوحُ الله وَكَلِمَتُهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَآدَمُ اصْطَفَاهُ الله، وَهُوَ كَذَلِكَ، أَلا وَأَنَا حَبِيبُ اللهِ وَلاَ فَخْرَ، وَأَنَا حَامِلُ لِوَاءِ الحَمْدِ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلاَ فَخْرَ، وَأَنَا أَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلاَ فَخْرَ، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ يُحَرِّكْ حِلَقَ الجَنَّةِ فَيَفْتَحُ الله لي فَيُدْخِلُنيِهَا وَمَعِي فُقَرَاءُ المُؤْمِنِينَ وَلاَ فَخْرَ، وَأَنَا أَكْرَمُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ وَلاَ فَخْرَ»(6).

الحق أبلج

شاء الله تعالى أن يكون الناس على علم بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم قبل أن ينير به الوجود، وأن يعرف الناس اسمه وصفته قال تعالى: {ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ ٱلْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة: 146].
روي أن عمر قال لعبدالله بن سلام : «أتعرف محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم كما تعرف ابنك؟ فقال : نعم وأكثر، بعث الله أمينه في سمائه إلى أمينه في أرضه بنعته فعرفته، وابني لا أدري ما كان من أمه» (7). وقال عبد الله بن سلام رضي الله عنه: «مكتوب في التوراة صفة محمد وصفة عيسى بن مريم عليهما السلام، ويدفن مع محمد صلى الله عليه وآله وسلم (8).
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: «إنه رأى النبي الموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن: {يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِنَّآ أَرْسَلْنَٰكَ شَٰهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً} [الأحزاب: 45]، وحرزًا للأميين، أنت عبدي ورسو لي، سميتك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ، ولا سخاب في الأسواق، ولا يجزي السيئة بالسيئة، ولكن يعفو ويصفح، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء، بأن يقولوا: لا إله إلا الله، ويفتح بها أعينا عمياً، وآذاناً صما، وقلوباً غلفا»(9).
وعن رجل من الأعراب رضي الله تعالى عنه قال: «قدمت المدينة حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقلت : لألقينّ هذا الرجل فلأسمعن منه، قال: فتلقاني بين أبي بكر وعمر رضي الله عنهم يمشون، فتبعتهم أتوا على رجل من اليهود ناشر التوراة يقرؤها، يعزي بها نفسه على ابن له في الموت، كان من أحسن الفتيان وأجملهم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أنشدك بالذي أنزل التوراة، هل تجد في كتابك صفتي ومخرجي؟» فقال برأسه هكذا، أي: لا، فقال ابنه: إي والذي أنزل التوراة إنا لنجد في كتابنا صفتك ومخرجك، وأشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، فقال: «أقيموا اليهود عن أخيكم»، ثم ولي كفنه والصلاة عليه(10).

بشائر ودلالات


قال تعالى: {ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِيَّ ٱلأُمِّيَّ ٱلَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ ٱلْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَٱلأَغْلاَلَ ٱلَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَٱتَّبَعُواْ ٱلنُّورَ ٱلَّذِيۤ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ (157) قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ٱلنَّبِيِّ ٱلأُمِّيِّ ٱلَّذِي يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَٱتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف: 157-158].

بشائر عند اليهود في التوراة:

 بشر سيدنا موسى عليه السلام ببعث سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ففي سفر التثنية 23: 3 (جاء الرب من سيناء وأشرق لهم من سعير وتلألأ في جبل فاران، وأتى من ربوات القدس وعن يمينه نار شريعة لهم)، فحينما نتأمل فإننا نتأمل أولا الأماكن المقدسة وما تعنيه، فنجد سيناء هي المكان الأول، وسعير هي المكان الثاني وأما المكان الثالث فهو فاران أو جبل فاران، وإن سيناء تشير إلى المكان الذي فيه موسى (التوراة خروج 24: 16 – 18 ) وأما سعير فإنها تعني أرض فلسطين الذي سكنها عيسو اخو يعقوب (التكوين 36: 8)(11).
وأما الجزء الثالث يقول موسى عليه السلام: «وتلألأ من جبل فاران» إنما هو إشارة إلى إسماعيل عليه السلام والنبي الخاتم الذي يأتي من نسله والذي تأكدت فيه الوعود الإلهية» كما في (سفر التكوين 1: 13)(12).
قال في سفر التثنية 18: 15: «يقيم الرب إلهك نبياً من وسطك من إخوتك مثلي له تسمعون».
قال في سفر التثنية 18: 18: «أقيم لهم نبياً من وسط إخوتهم مثلك واجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به».
والإعجاز في هاتين الآيتين في العبارة: «من إخوتك، من وسط إخوتهم» والإعجاز الأقوى في قوله: «اجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به ويكون أن الإنسان الذي لا يسمع لكلامي بإسمي أنا أطالبه» (13).
بعد موسى عليه السلام نأتي إلى حبقوق يقول في سفره الأصحاح 3 عدد 3، 4: «الله جاء من تيمان والقدوس من جبل فاران سلاه جلاله غطى السماوات والأرض امتلأت من تسبيحه وكان لمعان من نور له من يده شعاع وهناك استنار قدرته» وهذا إشارة إلى الأذان الذي يملاْ أجواء الدنيا دعوة للصلاة فيلبي المسلمون لهذا النداء، وهو لا حصل في غير بيوت الله تعالى نداء الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله.

نبوءة داود عليه السلام:

جاء في (المزمور 118 : 22- 23) «الحجر الذي رفضه البناؤون قد صار رأس  الزاوية من قبل الرب كان هذا وهو عجيب في أعيننا» إن هذا يعني أن أنبياء بني إسرائيل على كثرتهم تشير إليهم الحجارة الكثيرة في بناء بيت الرب، أما الحجر الذي هو رأس الزاوية، ويمسك البناء كله، فهو وإن كان حجراً واحدًا إلا أنه هو الأهم والأعظم أثراً في إقامة البناء وتماسكه. إنه يشير إلى محمد خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم والذي بدونه لا ترتبط النبوات معاً، ولا يمكن أن يكون لها قيمة تذكر، تمامًا كما أنه بدون ذلك الحجر (رأس الزاوية) لا يكتمل البناء ولا يكون له قيمة(14).
وقد أشار المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم إلى ذلك فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مثلي ومثل الأنبياء من قبلي، كمثل رجل بنى بيتاً فأحسنه وأجمله، إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به، ويعجبون له، ويقولون هلا وضعت هذه اللبنة؟ قال: فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين»(15).
جاء في سفر دانيال الاصحاح2 العدد (31-36) «أَنْتَ أَيُهَا المَلِكُ كُنْتَ تَنْظُرُ وَإِذَا بِتِمْثَال عَظِيمٍ، هذَا التِّمْثَالُ الْعَظِيمُ الْبَهِيُّ جِدًّا وَقَفَ وَمَنْظَرُهُ هَائِلٌ، رَأْسُ التِّمْثَالِ مِنْ ذَهَبٍ جَيِّدٍ، قَدَمَاهُ بَعْضُهُما مِنْ حَدِيدٍ، بَطْنُهُ وَفَخْذَاهُ مِنْ نُحَاسٍ، سَاقَاهُ مِنْ حَدِيدٍ وخَزَفٍ فَسَحَقَهُما، فَانْسَحَقَ حِينَئِذٍ الحدَِيدُ وَالخزََفُ وَالنُّحَاسُ وَالْفِضَّةُ وَالذَّهَبُ مَعًا، وَصَارَتْ كَعُصَافَةِ الْبَيْدَرِ في الصَّيْفِ، فَحَمَلَتْهَا الرِّيحُ فَلَمْ يُوجَدْ لهَا مَكَانٌ. أَمَّا الحجََرُ الَّذِي ضَربَ التِّمْثَالَ فَصَارَ رجلاً كَبِيرًا وَمَلأَ الأَرْضَ كُلَّهَا. هذَا هُوَ الحلُْمُ. فَنُخْبر بِتَعْبِيرِهِ قُدَّامَ الْمَلِكِ».
«أَنْتَ أَيُهَا المَلِكُ مَلِكُ مُلُوكٍ، لأَنَّ إِلهَ السَّماوَاتِ أَعْطَاكَ ممْلَكَةً وَاقْتِدَارًا وَسُلْطَانًا وَفَخْرًا، وَحَيْثُما يَسْكُنُ بَنُو الْبَشِر وَوُحُوشُ الْبرِّ وَطُيُورُ السَّماءِ دَفَعَهَا ليَِدِكَ وَسَلَّطَكَ عَلَيْهَا جميِعِهَا، فَأَنْتَ هذَا الرَّأْسُ مِنْ ذَهَبٍ، وَبَعْدَكَ تَقُومُ مملَْكَةٌ أُخْرَى أَصْغَرُ مِنْكَ وَمملَْكَةٌ ثَالثَِةٌ أُخْرَى مِنْ نُحَاسٍ فَتَتَسَلَّطُ عَلَى كُلِّ الأَرْضِ، وَتَكُونُ ممْلَكةٌ رَابِعَةٌ صَلْبَةٌ كَالحدَِيدِ، لأَنَّ الحدَِيدَ يَدُقُّ وَيَسْحَقُ كُلَّ شْيءٍ، وَكَالحدَِيدِ الَّذِي يُكَسِّرُ تَسْحَقُ وَتُكَسِرُ كُلَّ هؤُلاَءِ، وَبِما رَأَيْتَ الْقَدَمَين وَالأَصَابِعَ بَعْضُهَا مِنْ خَزَفٍ وَالْبَعْضُ مِنْ حَدِيدٍ، فَالمَمْلَكَةُ تَكُونُ مُنْقَسِمَةً، وَيَكُونُ فيِهَا قُوَّةُ الحدَِيدِ مِنْ حَيْثُ إنَِّكَ رَأَيْتَ الحدَِيدَ مختَْلِطًا بخَِزَفِ الطِّينِ، فَإنَهُمْ يَخْتَلِطُونَ بنِسْلِ الناَّسِ، وَلكنِْ لا يَتلَاصَقُ هذَا بذَِاكَ، كَما أنََّ الحدَِيدَ لا يْختلَطُِ باِلخزََفِ، وَفي أيََّامِ هؤُلاءَِ المُلُوكِ، يُقِيمُ إِلهُ السَّماوَاتِ مملَْكَةً لَنْ تَنْقَرِضَ أَبَدًا، وَمَلِكُهَا لاَ يُترَكُ لِشَعْبٍ آخَرَ، وَتَسْحَقُ وَتُفْنيِ كُلَّ هذِهِ المَمَالكِِ، وَهِيَ تَثْبُتُ إِلى الأَبَدِ، لأَنَّكَ رَأَيْتَ أَنَّهُ قَدْ قُطِعَ حَجَرٌ مِنْ جَبَل لاَ بِيَدَيْنِ فَسَحَقَ الحدَِيدَ وَالنُّحَاسَ وَالخزََفَ وَالْفِضَّةَ وَالذَّهَبَ. اَللهُ الْعَظِيمُ قَدْ عَرَّفَ المَلِكَ مَا سَيَأْتي بَعْدَ هذَا. الحُلْمُ حَقٌّ وَتَعْبِيرُهُ يَقِينٌ»(16).

وتحقق ذلك في حقب التاريخ التي تعاقبت كالتالي:

1. سنة 701 ق.م. مملكة بابل ورمز إليها بالرأس الذهب في عهد نبوخذ نصر.
2. سنة 612 ق.م. مملكة الكلدانيين في عهد ميداس يرمز لها بالفضة.
3. سنة 326 ق. م. المملكة الإغريقية في عهد الإسكندر المقدوني ويرمز لها بالنحاس.
4. سنة 53 ق. م. الإمبراطوية الرومانية في عهد بومباي ويرمز لها بالحديد.
5. سنة 612 م. الإمبراطوية البيزنطية في الغرب والإمبراطورية الفارسية الساسانية في الشرق.
6. سنة 637 م. الإسلام، وكتب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى الملوك يدعوهم إلى الإسلام….وتقويض الإمبراطورية البيزنطية في الغرب، والإمبراطورية الفارسية في الشرق(17).
وهكذا تحقيق وعد الله تعالى لإبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، وامتد الإسلام من الصين شرقاً حتى الأندلس غرباً.
وإن مما يؤكد أن اليهود كانوا على علم ومعرفة بسيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم هو تصرفهم أبان السبي البابلي، فقد روى أبو نعيم وابن عساكر عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «بلغني أن بني إسرائيل لما أصابهم ما أصابهم من ظهور بختنصر وفرقتهم وذلتهم تفرقوا، وكانوا يجدون محمدًا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مبعوثاً في كتبهم، وأنه
سيظهر في بعض القرى العربية في أرض ذات نخل، ولما خرجوا من أرض الشام جعلوا يتقرَّوْن كل قرية من تلك القرى العربية بين الشام واليمن يجدون نعتها نعت يثرب، فنزل بها طائفة منهم، ويرجون أن يلقوا محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم فيتبعونه، حتى نزل من بني هارون بيثرب منهم طائفة، فمات أولئك الآباء وهم مؤمنون بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم أنه جاءٍ، ويحثون أبناءهم على اتباعه إذا جاء فأدركه من أدركه من أبنائهم
فكفروا به وهم يعرفونه».
وروى أبو نعيم عن حسان بن ثابت رضي الله عنه أنه قال: «والله إني لفي منزلي وأنا ابن سبع سنين، وأنا أحفظ ما أرى، وأعي ما أسمع، وأنا مع أبي إذ دخل علينا فتى منا يقال له ثابت بن الضحاك، فتحدث فقال: زعم يهودي في بني قريظة الساعة وهو يلاحيني: قد أظلّ زمان خروج نبيّ يأتي بكتاب مثل كتابنا يقتلكم قتل عاد وإرم، قال حسان رضي الله عنه: فو الله إني لعلى فارع، يعني أطماً، في السّحر إذ سمعت صوتًا لم أسمع قط صوتاً أنفذ منه، فإذا يهوديّ على ظهر أطم من آطام المدينة معه شعلة من نار، فاجتمع إليه الناس فقالوا: ما لك ويلك: قال: هذا كوكب أحمد قد طلع، هذا كوكب لا يطلع إلا للنبوة، ولم يبق من الأنبياء إلا أحمد. قال: فجعل الناس يضحكون ويعجبون بما يأتي به»(18).
ولقد ذم الله تعالى اليهود الذين علموا بالنبي الخاتم وعرفوه ولكنهم كفروا
وكذبوا قال تعال: {وَلَمَّا جَآءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَآءَهُمْ مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ (89) بِئْسَمَا ٱشْتَرَوْاْ بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُواْ بِمَآ أنَزَلَ ٱللَّهُ بَغْياً أَن يُنَزِّلُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَآءُو بِغَضَبٍ عَلَىٰ غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ} [البقرة: 89 – 90].

بشائر المسيح على النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

جاء في كتاب يوحنا التلميذ في الفصل الخامس عشر من إنجيله أن الفارقليط روح الحق الذي سيرسله أبي باسمي يعلمكم كل شيء، فالفارقليط الذي علم الناس مالم يكونوا يعلمونه هو النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، والقرآن هو العلم الذي سماه المسيح كل شيء.
وقال يوحنا في الفصل السادس عشر: «إن الفارقليط لن يجيئكم ما لم أذهب فإذا جاء وبخ العالم على الخطيئة، ولا يقول من تلقاء نفسه شيئا لكنه يسوسكم بالحق كله ويخبركم بالحوادث والغيوب»(19).
«إِنَّ لي أُمُورًا كَثِيرَةً أَيْضًا لأقَُولَ لَكُمْ، وَلكِنْ لا تَسْتَطِيعُونَ أَنْ تحْتَمِلُوا الآنَ. وَأَمَّا مَتَى جَاءَ ذَاكَ، رُوحُ الحقَِّ، فَهُوَ يُرْشِدُكُمْ إِلى جميِعِ الحقَِّ، لأَنَّهُ لاَ يَتَكَلَّمُ مِنْ نَفْسِهِ، بَلْ كُلُّ مَا يَسْمَعُ يَتَكَلَّمُ بِهِ، وَ يُخبرُكمْ بِأُمُورٍ آتِيَةٍ». (إنجيل يوحنا 16: 12-13)(20).
قالَ لهُمْ يَسُوعُ: «أَمَا قَرَأْتُمْ قَطُّ في الْكُتُبِ: الحجَرُ الَّذِي رَفَضَهُ الْبَنَّاؤُونَ هُوَ قَدْ صَارَ رَأْسَ الزَّاوِيَةِ؟ مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ كَانَ هذَا وَهُوَ أَعْيُننَِا! لذِلكَِ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّه مَلَكُوتَ اللهِ يُنْزَعُ مِنْكُمْ وَيُعْطَى لأُمَّةٍ تَعْمَلُ أَثْمَارَهُ»(21).
«ومتى جاء المعزى الذي سأرسله أنا إليكم من الأب روح الحق الذي من عند الأب ينبثق فهو يشهد لي وتشهدون أنتم أيضاً لأنكم معي من الابتداء»
(22).
يقول الأستاذ إبراهيم خليل أحمد: درست – ولله الحمد- اللغة اليونانية، وذلك لمعرفة حقيقة العهد الجديد، وكذلك درست اللغة العبرية لمعرفة حقيقة العهد القديم فنجد في اللغة اليونانية أن كلمة «المعزى» المذكورة في إنجيل يوحنا هي باللغة اليونانية «بارقليط » وهذه الكلمة لها أربع معانٍ وهي: المعزي – المحمد – المحمود – الماحي.
لقد استعمل كتبة الإنجيل كلمة المعزى لماذا؟ إنهم يمكرون {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلْمَاكِرِينَ} [الأنفال: 30]، ليكن ما كتبوه هو كلمة المعزي لكنها تعني في الحقيقة المواسي(23).
إن ميلاد المسيح كان بشارة بميلاد محمد صلى الله عليه وآله وسلم «فقد جاء في إنجيل لوقا أنه عند مولد المسيح ظهر جمهور من الجنود السماوية للرعاة السويريين وأخذ هؤلاء الأملاك يترنمون بالنشيد الآتي: المجد لله في الأعالي، و على الأرض السلام، وفي الناس المسرة» أما النص التي قامت به جمعية التوراة فهو: «المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض سلامة، و في الناس حسن رضى»(24).
ثم يذكر البروفسور عبد الأحد الكلمتين الأصليتين وهما: «إيريني، ومابادوكيا» ووضح ببحث لغوي طويل أن «إيريني» معناها الإسلام، وأن (أيادوكيا) معناها أفعل تفضيل من الحمد أي أكثر الحمد أو أحمد. والمعنى العام كما يراه البروفسور عبد الأحد هو: «الحمد لله في الأعالي أوشك أن يجئ الإسلام في الأرض يقدمه للناس أحمد، ويؤكد مرة أخرى أنه لو كان المقصود سلام بمعنى الأمن وعدم الحرب لاستعملت كلمة «شام»
السوريانية أو «شالوم» العبرانية.
وأما بخصوص ما ورد في (في سفر التكوين 17 / 20): «وَأَمَّا إِسْماعِيلُ فَقَدْ سَمِعْتُ لَكَ فِيهِ. هَا أَنَا أُبَارِكُهُ وَأُثْمِرُهُ وَأُكَثِّرُهُ كَثِيرًا جِدًّا. اِثْنَيْ عَشَر رَئِيسًا يَلِدُ، وَأَجْعَلُهُ أُمَّةً كَبِيرَةً».
ويشير انه سيجري على هذا النص عملية حسابية بسيطة، وكذلك على نص يليه بما يعرف باسم «حساب الجُمَّل» وهو حساب عرفه علماء بني إسرائيل واستخدموه في تفسيراتهم للتنبؤات . فهذه هي الحروف وما يقابلها من أعداد:

أ

1

ب

2

ج

3

د

4

ه

5

و

6

ز

7

ح

8

ط

9

ي

10

ك

20

ل

30

م

40

ن

50

س

60

ع

70

ف

80

ص

90

ق

100

ر

200

ش

300

ت

400

ث

500

خ

600

ذ

700

ض

800

ظ

900

غ

1000

إن كلمتي «كثيرا جدا» تقابلها في اللغة العبرية «بماد ماد» وكذلك كلمتي «أمة كبيرة» تقابلها في اللغة العبرية «لجوي جدول». وبحساب القيمة العددية للكلمتين العبريتين «بماد ماد» نجدها كالآتي:

ب م أ د م ا د
2+ 4+ 1+ 4+ 40+ 1+ 4 = 92

وكذلك بحساب القيمة العددية للكلمتين العبريتين «لجوي جدول» نجدها كالآتي:

ل ج و ي ج د و ل
30+ 3+ 6+ 10+ 3+ 4+ 6+ 30 = 92

والآن نحسب القيمة العددية لكلمة «محمد» فنجدها كالآتي:

م ح م د
40+ 8+ 40+ 4 =92

إن هذا يبين وفق حسابات علماء بني إسرائيل في استخراج النبوءات، أن بركة إسماعيل التي وعد الله بها إبراهيم ستظهر في شخص محمد.
بعد هذا ندرس النص الذي أورده إنجيل متى في قوله على لسان المسيح: «لأن جميع الأنبياء والناموس إلى يوحنا تنبأوا وإن أردتم أن تقبلوا فهذا هو إيلياء المزمع أن يأتي» (11: 13-14).
وبحساب القيمة العددية لكلمة «إيلياء» نجدها كالآتي:

أ ي ل ي أ ء
1+ 10+ 30+ 10+ 1+ 1 =53

ثم بحساب القيمة العددية لكلمة «أحمد » نجدها كالآتي :

أ ح م د
1+ 8+ 40+ 4 =53

إن هذا يبين مرة أخرى أن النبي الذي أعلن المسيح مجيئه من بعده -كما تبينها عبارته عن المستقبل بقوله (المزمع أن يأتي) إنما هو «أحمد»، وهو واحد من الأسماء المشهورة للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم(25).
وفي إنجيل برنابا يقال إن عيسى تحدث مراراً عن مجد روح (محمد) التي رآها، وعن بهاء هذه الروح، ولا شك في أن روح آخر الرسل قد خُلِقَت قبل آدم بأمد طويل، ولذلك فإن عيسى في معرض حديثه عن (محمد) يعلن عنه ويصفه بأنه روح (الحقيقة)(26).
وأشير أن كتاب الدين والدولة في إثبات نبوة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، لمؤلفه علي بن رَبن الطبري وساعده فيه جعفر الإمام المتوكل على الله أمير المؤمنين (132-247هـ)
واحتوى الكتاب على عشرة أبواب آخرها في نبوات الأنبياء على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعليهم وفي نبوات داود وأشعيا وهوشع وميخا وحبقوق وصفنيا وزكريا وأرميا وحزقيال ودانيال والمسيح وهي في إحدى وخمسين صفحة.
كما أن من بين المصادر العربية القديمة التي خاضت في الكتاب المقدس بكثير من الجرأة والأناة الإمام القاضي أبا البقاء صالح بن الحسين الجعفري الهاشمي المتوفي (668 هـ) في كتابه القيم (تخجيل من حرف التوراة والإنجيل في جزئين حوالي (990) صفحة وقام بتحقيق الكتاب د. محمود عبد الرحمن قندح / الطبعة الأولى 1999 م).
وقد أحصى الإمام مالا يقل عن (84) بشارة بالرسول الكريم في الكتاب المقدس أي التوراة والإنجيل(27).
فهذه الإشارات والبشائر بخاتم النبيين سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم في الكتب السابقة رغم التحريف والتغيير إنما هي حجج وأدلة دامغة على أهل الكتاب وتحذير لهم قال تعالى: {وَآمِنُواْ بِمَآ أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ وَلاَ تَكُونُوۤاْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَٰتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّٰيَ فَٱتَّقُونِ (41) وَلاَ تَلْبِسُواْ ٱلْحَقَّ بِٱلْبَٰطِلِ وَتَكْتُمُواْ ٱلْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 41-42].
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ ءَامِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَارِهَآ أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّآ أَصْحَٰبَ ٱلسَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ مَفْعُولاً} [النساء: 47].

أسماء النبي صلى الله عليه وآله وسلم

 

عن جبير بن مطعم رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لي خمسة أسماء: أنا محمد، وأحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب»(28).
وقال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: «أنا محمد، وأحمد، والمُقَفِّي (العاقب للأنبياء قبله لأنه قفاهم، وتبعهم في الزمن)، والحاشر، ونبي التوبة، ونبي الرحمة»(29).
ولا ضير في ذلك، ولا تعارض، لأن قواعد الأصول أن العدد لا يخصص. وقال
العلماء: «وإنما اقتصر على هذه الأسماء مع أن له صلى الله عليه وآله وسلم أسماء غيرها لأنها موجودة في الكتب المتقدمة والله سبحانه وتعالى أعلم»(30).
(الحكمة من الاقتصار على الخمسة المذكورة أنها أشهر من غيرها، وموجودة في الكتب القديمة، وبين الأمم السابقة، وقال أهل اللغة: يقال رجل محمد ومحمود إذا كثرت خصاله المحمودة وقال ابن فارس وغيره، وبه سمي نبينا صلى الله عليه وآله وسلم محمدًا وأحمدًا أي ألهم الله تعالى أهله أن يسموه به لما علم من جميل صفاته)(31).
(فأما محمد فمن باب التفعيل للمبالغة، وأما أحمد فمن باب التفضيل، وقيل سمي أحمد لأنه منقول من صفة، وهي أفعل التفضيل ومعناه أحمد الحامدين، وسبب ذلك ما ثبت في الصحيح أنه يفتح عليه في المقام المحمود بمحامد لم يفتح بها على أحد قبله، وقيل الأنبياء حمادون، وهو أحمدهم أي أكثرهم حمدًا، أو أعظمهم في صفة الحمد، وأما محمد فهو
منقول من صفة الحمد أيضا، وهو بمعنى محمود، وفيه معنى المبالغة)(32).
وقد أشار القرآن الكريم إلى اسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم على لسان عيسى عليه السلام بقوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ يٰبَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي ٱسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف: 6]، وقد ذكر القرآن الكريم اسم محمد النبي قال تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ} [آل عمران: 144]، وقال تعالى: {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَـٰكِن رَّسُولَ ٱللَّهِ وَخَاتَمَ ٱلنَّبِيِّينَ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً} [الأحزاب: 40] وقال تعالى: {وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَآمَنُواْ بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَهُوَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ} [محمد: 2]، وقال تعالى: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29].
(قال عياض: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحمد قبل أن يكون محمدًا كما وقع في الوجود، لأن تسميته أحمد وقعت في الكتب السالفة، وتسميته محمدًا وقعت في القرآن العظيم، وذلك أنه حمد ربه قبل أن يحمده الناس، وكذلك في الآخرة يحمد ربه فيشفعه فيحمده الناس، وقد خص بسورة الحمد ولواء الحمد، وبالمقام المحمود وشرع له الحمد بعد الأكل وبعد الشرب، وبعد الدعاء، وبعد القدوم من السفر، وسميت أمته
الحمادين فجمعت له معاني الحمد وأنواعه صلى الله عليه وآله وسلم)(33).
إن اسم محمد صلى الله عليه وآله وسلم هو أشهر اسمائه وأجلّها، ولذلك اختص بأمور منها: أنه لا يصح إسلام الكافر حتى يتلفظ به بأن يقول: محمد رسول الله.
ومنها: أنه يتعين الإتيان به في التشهد لا يكفي غيره من أسمائه.
ومنها: أنه على أربعة أحرف ليوافق اسم الله تعالى، فإن الاسم الكريم على أربعة أحرف.
ومنها: أن الله تعالى قرنه مع اسمه على العرش.
ومنها: أن الله تعالى اشتقه من اسمه المحمود، كما قال حسان بن ثابت رضي الله تعالى عنه:

وضمَّ الإله اسم النبيّ إلى اسمه  **  إذا قال في الخمس المؤذّن أشهد
وشـــقّ لــه من اسمـــه ليجلّـــه   **   فذو العرش محمودٌ وهذا محمّد

ومنها: أنه يخرج منه بالضرب مع الكسر والبسط عدد المرسلين، وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر، وذلك أن فيه الميم الأولى والثانية المشددة بحرفين، والميم إذا كسرت فهي م ي م وكل ميم بكسرها في الحساب تسعون، إذ الميم بأربعين والياء بعشرة فالثلاثة مائتان وسبعون، والدال خمسة وثلاثون، لأن الدال بأربعة والألف بواحد واللام بثلاثين والحاء بثمانية ولا تكسير فيها.
ومنها: أن آدم يكنى به في الجنة دون سائر بنيه.
ومنها: قال ابن العماد رحمه الله تعالى في كتاب «كشف الأسرار»: سخّرت الشياطين لسليمان بذكره صلى الله عليه وآله وسلّم.
ومنها: جرت سفينة نوح باسمه صلى الله عليه وآله وسلم. قال: وقال قوم: إن معنى الميم محق الكفر بالإسلام، أو محى سيئات من اتبعه، وقيل الميم: منَّ الله على المؤمنين، وقيل: الميم: ملك أمته به صلى الله عليه وآله وسلم، وقيل: المقام المحمود، وأما الحاء فقيل: حكمه بحكم
الله تعالى، وقيل إحياء الله تعالى أمته به، وأما الميم الثانية فمغفرة الله تعالى لأمته، وأما الدال: فهو الداعي إلى الله تعالى، قال الله تعالى: {وَدَاعِياً إِلَى ٱللَّهِ بِإِذْنِهِ} [الأحزاب: 46](34).
«ومما وقع من أسمائه في القرآن بالاتفاق: الشاهد، المبشر، النذير، المبين، الداعي إلى الله، السراج، المنير، وفيه أيضاً الذكر، والرحمة، والنعمة، والهادي، والشهيد، والأمين، والمزمل، والمدثر، وفي حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، المتوكل ومن أسمائه المشهورة، المختار، والمصطفى، والشفيع المشفع، والصادق المصدوق، وغير ذلك قال ابن
دحية في تصنيف له مفرد في الأسماء النبوية قال بعضهم: أسماء النبي صلى الله عليه وآله وسلم عدد أسماء الله الحسنى تسعة وتسعون اسماً، قال: ولو بحث عنها باحث لبلغت ثلاثمائة اسم، وذكر في تصنيفه المذكور أماكنها من القرآن والأخبار، وضبط ألفاظها، وشرح معانيها، واستطرد كعادته إلى فوائد كثيرة، وغالب الأسماء التي ذكرها وصف بها
النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يرد الكثير منها على سبيل التسمية مثل: عده اللبنة بفتح اللام، وكسر الموحدة ثم النون في أسمائه»(35).
وذكر الحافظ أبو بكر بن العربي المالكي في كتابه (الأحوذي في شرح الترمذي) عن بعضهم أن لله تعالى ألف اسم، وللنبي صلى الله عليه وآله وسلم ألف اسم أيضاً(36). ونسب القول لبعض الصوفية(37).
وقد ذكرها مرتبه حسب الحروف الأبجدية صاحب كتاب (سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد) (1/ 516-535).
وقد نبّه الإمام الغزالي رحمه الله تعالى وأقره الحافظ في الفتح على أنه لا يجوز لنا أن نسمي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم باسم لم يسمّه به أبوه، ولا سمى به نفسه الشريفة وعلى هذا الاتفاق والله تعالى أعلم(38).

النسب الشريف

محمد صلى الله عليه وآله وسلم هو خير أهل الأرض نسباً على الإطلاق، فنسبه من الشرف أعلى ذروة، فعن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إن الله تعالى خلق الخلق، فجعلني في خير فرقهم (أي أشرفهم) وخير الفريقين وفي نسخ الفرقتين ثم تخير القبائل فجعلني في خير قبيلة، ثم تخير البيوت، فجعلني في خير بيوتهم، فأنا خيرهم نفساً (روحًا وذاتًا أو جعلني بها نبياً فاتحاً خاتماً) وخيرهم بيتاً»(39).

  1. محمد بن عبد الله من زوجته آمنة بنت وهب من بني زهرة من كلاب من قريش.
  2. عبد المطلب (شيبة الحمد) من زوجته فاطمة بنت عمرو من بني مخزوم بن يقظة من مرة من قريش.
  3. هاشم) عمرو (من زوجته سلمى بنت عمرو من بني النجار من الخزرج.
  4. ابن عبد مناف (المغيرة) من زوجته عاتكة بنت مرّة من بني سليم بن منصور إحدى قبائل قيس عيلان بن مضر.
  5. قصيّ (مجمّع) من زوجته حبّى بنت حليل من بني خزاعة بن عمرو إحدى قبائل قمعة بن إلياس بن مضر، وهم الذين يتولون البيت قبل قريش.
  6. كلاب (حكيم) من زوجه فاطمة بنت سعد وهي يمانية من أزد شنوءة.
  7. مرّة من زوجته هند بنت سرير من بني فهر بن مالك.
  8. كعب من زوجته وحشية بنت شيبان من بني فهر.
  9. لؤيّ من زوجته أم كعب مارية بنت كعب من قضاعة.
  10. غالب من زوجته أم لؤي سلمى بنت عمرو الخزاعي.
  11. فهر (قريش) من زوجته أم غالب ليلى بنت سعد من هذيل.
  12. مالك من زوجته جندلة بنت الحرث من جرهم.
  13. النضر من زوجته عاتكة بنت عدوان من قيس عيلان.
  14. كنانة من زوجته برّة بنت مر بن أد.
  15. خزيمة من زوجته عوانة بنت سعد من قيس عيلان.
  16. مدركة من زوجه سلمى بنت أسلم من قضاعة.
  17. إلياس من زوجته خندف (المضروب بها المثل في الشرف والمنعة).
  18. مضر من زوجته الرباب بنت جندة بن معد.
  19. نزار من زوجته سودة بنت عك.
  20. معد من زوجته معانة بنت جوشم من جرهم.
  21. عدنان.

فهؤلاء عشرون جد ورد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذكرهم ثم قال: «كذب النسابون بعد ذلك وإن صدقوا»(40).
هذا النسب الرفيع المتّفق على صحته من علماء التاريخ والمحدّثين، كما أجمعوا على أن نسب الرسول صىلى الله عليه وآله وسلّم ينتهي إلى اسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام إلى العرب المستعربة(41).

 دعوة إبراهيم عليه السلام

عن خالد بن معدان رضي الله عنه عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنهم قالوا: يا رسول الله أخبرنا عن نفسك، قال: «دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى، ورأت أمي حين حملت بي كأنه خرج منها نور أضاءت له قصور بصرى من أرض الشام»(42).
عن العرباض بن سارية رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إني عبد الله لخاتم النبيين وان آدم عليه السلام لمنجدل في طينته، وسأنبئكم بأول ذلك دعوة أبي إبراهيم، وبشارة عيسى بي، ورؤيا أمي التي رأت، وكذلك أمهات النبيين يرين»(43)
وعن أبي أمامة قال: قلت يا نبي الله ما كان بدء أمرك؟ قال: «دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى، ورأت أمي انه يخرج منها نور أضاءت منها قصور الشام»(44).
وعن العرباض بن سارية رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أنا دعوة (أبي) إبراهيم وبشرى عيسى»(45).
إن دعوة إبراهيم عليه السلام كما قال تعالى: {رَبَّنَا وَٱبْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَٰتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلعَزِيزُ ٱلحَكِيمُ} [البقرة: 129].
وأما بشرى عيسى فقال تعالى: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ يٰبَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي ٱسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ قَالُواْ هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ} [الصف: 6].

طلائع البشائر وتهيئة المكان

قضى الله سبحانه وتعالى أن ينقل سيدنا إبراهيم عليه السلام زوجته هاجر وابنها الرضيع إسماعيل عليهما السلام من الشام إلى وادي مكة بين جبال فاران حيث زمزم في أعلى المسجد، وليس بمكة يومئذ أحد، قال إبراهيم: حيث لا ضرع ولا زرع؟! قال جبريل: نعم، ها هنا خرج النبي الكريم الذي من ذرية ابنك إسماعيل الذي تتمّ به الكلمة العليا(46).
فوضعهما هناك، ووضع عندهما جرابًا فيه تمر، وسقاء فيه ماء، ثم قفى إبراهيم عليه السلام منطلقاً، فتبعته أم إسماعيل فقالت: يا إبراهيم، أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي، الذي ليس فيه إنس ولا شيء؟ فقالت له ذلك مرارًا، وجعل لا يلتفت إليها، فقالت له: آلله الذي أمرك بهذا؟ قال نعم، قالت: إذن لا يضيعنا، ثم رجعت(47).
وكانت قد بُشرت بما يقر عينها بابنها إسماعيل فعن محمد بن كعب القرظي رحمه الله تعالى قال: «لما خرجت هاجر بابنها إسماعيل تلقّاها متلقّ فقال: يا هاجر إن ابنك أبو شعوب كثيرة، ومن شعبه النبي الأميّ ساكن الحرم »(48).
فانطلق إبراهيم عليه السلام حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه، استقبل بوجهه البيت، ثم دعا بهؤلاء الدعوات، ورفع يديه فقال:
{رَّبَّنَآ إِنَّيۤ أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ ٱلْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ ٱلصَّلٰوةَ فَٱجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ ٱلنَّاسِ تَهْوِىۤ إِلَيْهِمْ وَٱرْزُقْهُمْ مِّنَ ٱلثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} [إبراهيم: 37](49).
ولما نفد التمر والماء الذي تركه إبراهيم عليه السلام تجلّت العناية الإلهية بنبع زمزم طعام طعم وشفاء سقم، ثم نزلت جرهم وهم طائفة من العرب العاربة من أمم العرب الأقدمين عند هاجر بمكة على أن ليس لهم في الماء شيء إلا ما يشربون منه وينتفعون به، فاستأنست هاجر بهم وجعل الخليل عليه السلام يطالع أمرهم في كل حين يقال إنه كان يركب البراق من بلاد بيت المقدس في ذهابه وإيابه(50). وتعلم إسماعيل عليه السلام العربية منهم وكان أول من نطق بالعربية الفصحى وهو أصل العرب المستعربة.

 البلاء المبين:

شبّ إسماعيل عليه السلام بمكّة، وأصبح بإمكانه مساعدة أبيه في أمور الدنيا ورأى إبراهيم عليه السلام في المنام أن الله تعالى يأمره بذبح ابنه ورؤيا الأنبياء حق، فشاور ابنه فيما رأى ليعلم صبره لأمر الله تعالى، وتقر عينه بطاعته في أمر الله، قال تعالى: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ٱلسَّعْيَ قَالَ يٰبُنَيَّ إِنِّيۤ أَرَىٰ فِي ٱلْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَٱنظُرْ مَاذَا تَرَىٰ قَالَ يٰأَبَتِ ٱفْعَلْ مَا تُؤمَرُ سَتَجِدُنِيۤ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّابِرِينَ (102) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَن يٰإِبْرَاهِيمُ(104) قَدْ صَدَّقْتَ ٱلرُّؤْيَآ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْبَلاَءُ ٱلْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 102-107].

بناء الكعبة:

(عندما أمر الله إبراهيم عليه السلام ببناء الكعبة في مكة لتكون أول بيت يقام لعبادة الله، جاء إلى مكة بعد غياب طويل فتفقد ابنه إسماعيل عليه السلام، فوجده يبري نبلاً له قريباً من زمزم، فأقبل عليه، فخف إسماعيل لاستقباله، فتعانقا وبث كل واحد منهما للآخر لواعج محبته وعظيم سروره، وبعد أن طاب المقام لإبراهيم بلقيا ابنه أفضى إليه بأن الله أمره أن يبني بيتاً لعبادته في هذا الموضع، وأشار إلى مكانه… فقال إسماعيل: افعل
ما أمرك ربك، وأنا أعينك في هذا الأمر الجليل، فجعل إبراهيم يبنيه وإسماعيل يناوله الحجارة، ثم قال إبرهيم لإسماعيل عليه السلام، ائتني بحجر حسن أضعه على الركن فيكون للناس علماً، فأخبره جبريل بالحجر الأسود، فأخذه ووضعه في موضعه، وكان كلما بنيا دعوا الله {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ} [البقره: 127].
وكلما أتما ناحية من الجدار انتقل إلى ناحية أخرى، وهو واقف عليه حتى تم بناء جدران الكعبة، وقد كان هذا الحجر ملصقاً بحائط الكعبة من قديم الزمن إلى أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي أخره من البيت قليلاً لئلا يشغل المصلين عنده)(51).
قال تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَٰهِيمُ ٱلْقَوَاعِدَ مِنَ ٱلْبَيْتِ وَإِسْمَٰعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَٱجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ} [البقرة: 127-128].

امتداد النبوة من إبراهيم إلى إسماعيل عليهما السلام:

اختار الله تعالى إسماعيل عليه السلام رسولاً لناحيته ولمن فيها من جرهم والعماليق وأهل اليمن قال تعالى: {وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ ٱلْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً (54) وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِٱلصَّـلاَةِ وَٱلزَّكَـاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً} [مريم: 54-55].فقد بلغ دعوة التوحيد، وأمر الناس بتقوى الله تعالى، وقد وصفه الله سبحانه بأحسن الأوصاف وأجل النعوت قال تعالى: {وَإِسْمَاعِيلَ وَٱلْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى ٱلْعَالَمِينَ (86) وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَٱجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [الأنعام: 86-87]، وقال تعالى: {وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا ٱلْكِفْلِ كُلٌّ مِّنَ ٱلصَّابِرِينَ (85)  وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ}[الأنبياء: 85 -86]، وقال تعالى: {وَٱذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَٱلْيَسَعَ وَذَا ٱلْكِفْلِ وَكُلٌّ مِّنَ ٱلأَخْيَارِ (45) هَـٰذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ (49) جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ ٱلأَبْوَابُ} [ص: 48 – 50].

من فضائل مكّة:

مسقط رأس الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.

  1. أهل مكة آمنون بحرمة الحرم.
    قال تعالى: {أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقاً مِّن لَّدُنَّا وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ}[القصص: 57]. وقال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ ٱلنَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِٱلْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ ٱللَّهِ يَكْفُرُونَ}[العنكبوت: 67]، وقد امتن الله سبحانه على قريش بنعمتي الرزق والأمن قال تعالى: {لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ (1) إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَـٰذَا ٱلْبَيْتِ (3) ٱلَّذِيۤ أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ} [قريش: 1-4].
    إنها مكّة الحرم الآمن فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم فتح مكة: « إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، لا يُعْضَدُ (لا يقطع) شوكه، ولا يُنَفَّرُ صيده، ولا تُلتقط لقطته إلا من عرّفها، ولا يختلى خلاها (لا يقطع النبات الرطب الرقيق ما دام رطباً، فقال العباس رضي الله عنه: يا رسول الله، إلا الإذخر) حشيشة طيبة الرائحة يسقف بها البيوت فوق الخشب، و يحرق بدل الخشب والفحم، فإنه لقينهم (القين: الحداد) ولبيوتهم، فقال صلى الله عليه وآله
    وسلم: «إلا الإذخر»» (52)
  2. مكّة خير أرض الله تعالى، وأحبها إليه.
    عن عبد الله بن عَدي بن الحمراء رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: -وهو واقف بالحَزَوّرة في سوق مكة- «والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت » (53).
    وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمكة: «ما أطيبك من بلد، وأحبك إليَّ، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك»(54).
  3. أقسم الله تعالى بها:
    قال تعالى: {وَٱلتِّينِ وَٱلزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ(2)وَهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ ٱلأَمِينِ} [التين: 1- 3]، فالبلد الأمين مكة أثر إبراهيم عليه السلام ودار محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
  4. مكّة شهدت نزول الوحي.
  5. مكة منها بدأت رحلة الإسراء والمعراج وإليها عاد صلى الله عليه وآله وسلم قال تعالى:{سُبْحَانَ ٱلَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلأَقْصَا ٱلَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَآ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلبَصِيرُ} [الإسراء: 1]، وقال تعالى:{ ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ (9) فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَآ أَوْحَىٰ (10) مَا كَذَبَ ٱلْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ (11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ (12) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ (13) عِندَ سِدْرَةِ ٱلْمُنتَهَىٰ (14) عِندَهَا جَنَّةُ ٱلْمَأْوَىٰ (15) إِذْ يَغْشَىٰ ٱلسِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ (16) مَا زَاغَ ٱلْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ (17) لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ ٱلْكُبْرَىٰ} [النجم: 8- 18].
  6. قبلة المسلمين.
    قال تعالى: {قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي ٱلسَّمَآءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144].
    وقال تعالى: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَٱسْتَبِقُواْ ٱلْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ ٱللَّهُ جَمِيعاً إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (148) وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (149) وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَٱخْشَوْنِي وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [البقرة: 148-150].
  7. تتضاعف في مكّة الحسنات، وكذلك السيئات لعظمة المكان، قال تعالى: {إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ ٱلَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَآءً ٱلْعَاكِفُ فِيهِ وَٱلْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج: 25].
    قال ابن عمر رضي الله عنهما: «كنا نتحدث أن الإلحاد فيه أن يقول الإنسان: لا والله! وبلى والله! وكلا والله! ولذلك كان له فسطاطان، أحدهما في الحل والآخر في الحرم؛ فكان إذا أراد الصلاة دخل فسطاط الحرم، وإذا أراد بعض شأنه دخل فسطاط الحل، وكذلك كان لعبد الله بن عمرو بن العاص فسطاطان أحدهما في الحل والآخر في الحرم، فإذا أراد أن يعاتب أهله عاتبهم في الحل، وإذا أراد أن يصلي صلى في الحرم، فقيل له في ذلك، فقال: إنا كنا نتحدث أن من الإلحاد في الحرم أن
    نقول كلا والله وبلى والله، والمعاصي تضاعف بمكة كما تضاعف الحسنات، فتكون المعصية معصيتين، إحداهما بنفس المخالفة والثانية بإسقاط حرمة الحرام؛ وهكذا الأشهر الحرم سواء»(55).
    «ولعظم حرمة المكان توعد الله تعالى على نية السيئة فيه فمن نوى سيئة ولم يعملها لم يحاسب عليها إلا في مكة، وهذا قول ابن مسعود وجماعة من الصحابة وغيرهم»(56). وسُئل الإمام أحمد: هل تكتب السيئة أكثر من واحدة، قال لا إلا بمكة لتعظيم البلد(57).
  8. استحباب شد الرحال إلى البيت الحرام وفضله على سائر المساجد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى »(58).
    وعن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه»(59).
    وهو أول مسجد وضع في الأرض، فعن أبي ذر رضي الله عنه قال: «قلت يا رسول الله، أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال: «المسجد الحرام » قال: قلت: ثم أي؟ قال «المسجد الأقصى» قلت: كم كان بينهما؟ قال: «أربعون سنة، ثم أين أدركتك
    الصلاة بعد فصل، فإن الفضل فيه»(60).
  9. تقصد مكة لأداء مناسك الحج والعمرة وللطاعات والقربات.
    قال تعالى: {وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَميِقٍ (27) لِّيَشْهَدُواْ مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ فِيۤ أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ ٱلأَنْعَامِ فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ ٱلْبَآئِسَ ٱلْفَقِيرَ (28) ثُمَّ لْيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُواْ بِٱلْبَيْتِ ٱلْعَتِيقِ} [الحج: 27 – 29]
    وقال تعالى: {وَللَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ مَنِ ٱسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱلله غَنِيٌّ عَنِ ٱلْعَٰلَمِينَ} [آل عمران: 97].
    وعن أبي عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول:
    «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان»(61).

الذبيح الآخر
والد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم

كان عبد المطلب بن هشام قد نذر لئن ولد له عشرة نفر، ثم بلغوا معه حتى يمنعوه لينحرن أحدهم لله عند الكعبة، فلما توافى بنوه عشرة، وعرف أنهم سيمنعونه جمعهم ثم أخبرهم بنذره، ودعاهم إلى الوفاء لله بذلك، فأطاعوه وقالوا: كيف نصنع؟ قال: ليأخذ كل رجل منكم قدحاً ثم يكتب فيه اسمه ثم ائتوني، ففعلوا ثم أتوه، فدخل بهم على هبل…

فقال عبد المطلب لصاحب القداح: اضرب على بني هؤلاء بقداحهم هذه، وأخبره بنذره الذي نذر، فلما أخذ صاحب القداح القداح ليضرب بها قام عبد المطلب عند هبل يدعو الله، ثم ضرب صاحب القداح، فخرج القدح على عبد الله، فأخذه عبد المطلب بيده، وأخذ الشفرة، ثم أقبل به إلى إساف ونائلة ليذبحه، وقالت له قريش وبنوه والله لا تذبحه أبداً حتى تُعْذِر فيه، لئن فعلت هذا لا يزال الرجل يأتي بابنه حتى يذبحه فما بقاء الناس على هذا؟…. إلى أن كان الرأي أن تكون القرعة بين عبد الله وعشراً من الإبل، فإن خرجت على عبد الله زيدت الإبل عشراً، وهكذا حتى تكون القرعة عليها، فلما أجمعوا على ذلك. قام عبد المطلب يدعو الله، ثم قدموا عبد الله وعشراً من الإبل، وعبد المطلب قائم عند هبل يدعو الله تعالى، ثم ربوا فخرج القدح على عبد الله، فزادوا عشراً من الإبل، فبلغت الإبل عشرين، وقام عبد المطلب يدعوا الله فخرج القدح على عبد الله، وهكذا كانوا يزيدونها في كل مرة عشراً حتى بلغت مائة، وقام عبد المطلب يدعوالله، ثم ربوا فخرج القدح على الإبل، فقالت قريش ومن حضر: قد انتهى رضا ربك يا عبد المطلب. ثم نحرت الإبل وتركت لا يصد عنها إنسان، ولا يمنع …(62).
ونشأ عبد الله في كنف والده، وكان أحب ولده إليه، ولما بلغ ثماني عشرة سنة زوجه آمنة بنت وهب بنت عبد مناف بن زهرة بن كلاب وهي يومئذٍ من أفضل نساء قريش نسباً وموضعاً، ولما دخل عليها حملت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يلبث أبوه أن توفى بعد الحمل بشهرين وهو عائد من تجارة إلى غزة بالشام، ودفن عند اخواله بني عدي بن النجار. وهذه الأحداث من إرهاصات ميلاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وروي عن معاوية أنَّ رجلاً قال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا ابن الذبيحين «فضحك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم » وإليه ذهب عمر بن عبد العزيز، ومحمد بن إسحاق بن يسار، وكان الحسن البصري يقول: «لا شك في هذا»(63).

من الإرهاصات الحرص على التسمية بمحمد

روى ابن سعد عن سعيد بن المسيب رحمه الله تعالى قال: كانت العرب تسمع من أهل الكتاب، ومن الكهان أن نبياً يبعث من العرب اسمه محمد فسمى من بلغه ذلك من ولد له محمدًا طمعاً بالنبوة.
وعن محمد بن عدي أنه سأل أباه كيف سماه في الجاهلية محمدًا؟ فقال: خرجنا مع جماعة من بني تميم، فلما وردنا الشام نزلنا على غدير فأشرف عليها ديراني (الراهب الذي يسكن الدير) فقال: من أنتم؟ قلنا: من مضر، فقال: أما أنه سوف يبعث منكم وشيكاً نبي فسارعوا إليه، وخذوا بحظكم منه ترشدوا، فإنه خاتم النبيين، فقلنا ما أسمه؟ فقال محمد، فلما صرنا إلى أهلنا ولد لكل واحد منا غلام فسماه محمداً(64).
واختلف الرواة في عدد من سمي محمد قبل ميلاد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وخلصوا إلى خمسة عشر نفساً، وأشهرهم محمد بن عدي بن ربيعة بن سواءة بن جشم بن سعد بن زيد مناة ابن تميم التميمي السعدي روى حديثه البغوي وابن سعد وابن شاهين وابن السكن وغيرهم(65).

عام الفيل من إرهاصات المولد

استولى أبرهة الأشرم على ملك اليمن، فانتقل الملك بذلك من حمير إلى الحبشة إذ استولت الحبشة على اليمن بقيادة أرياط وأبرهة بن الصباح، واستلبوا الملك من حمير، ثم اختلف الأميران، وتصاولا وتقاتلا إلى أن اتفقا على المبارزة فيما بينهما؛ ليستقل أحدهما بالملك (فتبارزا وخلف كل واحد منهما فتاه، فحمل أرياط على أبرهة فضربه بالسيف فشرم أنفه، وشق وجهه، وحمل عَتودة مولى أبرهة على أرياط فقتله، ورجع أبرهة جريحاً، فداوى جرحه فبرئ واستقلّ بملك اليمن. فكتب إليه النجاشي يلومه على ما كان منه ويتوعده وحلف ليطأنّ بلاده وليتجزَّنَّ ناصيته، فأرسل إليه أبرهة يترفّق له ويصانعه، وبعث مع رسوله بهدايا وتحف وبجراب فيه تراب اليمن، وجزّ ناصيته وأرسلها معه ويقول في كتابه: ليطأ الملك على هذا التراب فيبرّ قسمه، وهذه ناصيتي قد بعثت بها إليك، وأنا عبد الملك، فلما وصل ذلك إليه أعجبه ورضي عنه وأقرّه، ثم إن أبرهة رأى الناس يتجهزون أيام
الموسم للحج إلى بيت الله الحرام فسأل: أين يذهب الناس؟ فقيل له: يحّجون إلى بيت الله بمكّة. قال: ما هو؟ قالوا من حجارة؟ قال: فما كسوته؟ قالوا: ما يأتي من هنا وهنا من الوصائل. قال: والمسيح لأبنيّن لكم خيراً منه.ّّ
فبنى لهم كنيسة هائلة بصنعاء رفيعة البناء مزخرفة الأرجاء، فسمتها العرب القُلَيس لارتفاعها لأن الناظر إليها، يكاد تسقط قلنسوته عن رأسه لارتفاع بنائها(66).
ثم كتب أبرهة إلى النجاشي: أنه بنى له كنيسة لم يبن مثلها لملك قبلك، وسأصرف إليها حج العرب. وتناها ذلك إلى مسامع العرب فغضب رجل من النّسأة (وهم الذين كانوا ينسؤون الشهور على العرب في الجاهلية، فيحلون الشهر من أشهر الحرم و يحرمون مكانه).
فذهب إلى الكنيسة، فأحدث فيها، وعاد إلى بلده، فعلم بذلك أبرهة، وسأل عن الفاعل، فقيل له: صنعه رجل من أهل هذا البيت.
فغضب أبرهة وحلف أنه سيسير إلى البيت و يهدمه، وبعث رجلاً إلى قبيلة الرجل الذي أحدث في الكنيسة قبيلة بني كنانة يدعوهم إلى حج تلك الكنيسة، فقتلت بنو كنانة الرجل الذي بعثه أبرهة فزاده ذلك حنقاً وغضباً، وأمر الحبشة أن يجهزوا وسار ومعه الفيل متوجهًا صوب البيت الحرام، وسمعت بذلك العرب فرأوا قتاله حقّاً عليهم فقاتلوه بقيادة ذو نفر وهو من أشراف أهل اليمن وملوكهم، وانتصر أبرهة وأسر ذا نفر ثم مضى أبرهة
لما عزم عليه في هدم الكعبة، فلما كان بأرض خثعم عرض له نفيل بن حبيب الخثعمي في قبيلتي خثعم: شهران وناهس ومن تبعه من قبائل العرب، فهزمه أبرهة وأسره ثم خلى سبيله، وأخذه معه دليلاً للوصول إلى البيت.
وحين مرّ بالطائف خرج إليه مسعود بن معتب في رجال من ثقيف فقالوا له: أيها الملك إنما نحن عبيدك سامعون لك مطيعون، وليس لك عندنا خلاف وليس بيتنا البيت الذي تريد، أي بيت اللات، إنما تريد البيت الذي بمكة، ووعده بإرسال من يدله عليه، فبعثوا له أبا رغال حتى أنزله بالمغمّس، فمات أبو رغال، فرجمت العرب قبره، ومن المغمّس بعث أبرهة رجلاً من الحبشة إلى مكة فساق إليه أموال تهامة من قريش وغيرها، ومنها مائتي بعير لعبد المطلب بن هاشم سيد مكة، ففكرت قريش وكنانة وهذيل ومن كان بذلك الحرم بقتال أبرهة، فلما علموا بقوته عدلوا عن فكرة القتال، فبعث أبرهة حناطة الحميري إلى مكة ليسأل عن زعيمها، ويبلغه أن الملك يقول: إني لم آت لحربكم، إنما جئت لهدم هذا البيت، فإن لم تعرضوا لي بحرب فلا حاجة لي بدمائكم، فإن هو لم يرد الحرب فأتني به.
ولما دخل حناطة مكة وسأل عن شريفها وسيدها قريش، فقيل له: عبد المطلب بن هاشم، فجاءه وأبلغه بقول أبرهة، فقال له عبد المطلب: والله ما نريد حربه وما لنا بذلك معه طاقة، هذا بيت الله الحرام وبيت خليله إبراهيم عليه السلام، فإن يمنعه فإنه حرمه وبيته، وإن يحلّ بينه وبينه فما لنا والله دفع عنه. فقال له حناطة: فانطلق إليه، فإنه أمرني أن آتيه بك.
فانطلق معه عبد المطلب ومعه بعض بنيه حتى أتى المعسكر فسأل عن ذي نفر وكان صديقًا له، حتى دخل عليه وهو في محبسه، فقال له: هل عندك من عناء فيما نزل بنا؟ فقال له ذو نفر: ما عناء رجل أسير بيدي ملك ينتظر أن يقتله غدوّاً أوعشياً، ما عندي عناء في شيء مما نزل بك إلا أن أنيس سائس الفيل صديق لي، فأرسل إليه، وأوصيه بك، وأعظّم عليه حقّك  واسأله أن يستأذن لك على الملك، فكلّمه مما بدا لك ويشفع لك عنده بخير إن قدر على ذلك. فقال: حسبي، فبعث ذو نفر إلى أنيس فقال له: إن عبد المطلب سيد قريش، وصاحب عين مكة، ويطعم الناس بالسهل، والوحوش في رؤوس الجبال، وقد أصاب له الملك مائتي بعير، فاستأذن عليه، وانفعه عنده ما استطعت، فقال: أفعل، فكلّم أنيس أبرهة فقال له: أ يها الملك هذا سيد قريش ببابك يستأذن عليك، وهو صاحب عين مكة، يطعم الناس بالسهل، والوحوش في رؤوس الجبال، فأذن له عليك فيكلمك في حاجته. قال: فأذن له أبرهة، وكان عبد المطلب أوسم الناس، وأعظمهم، وأجملهم، فلما رآه أبرهة أجلّه وأعظمه من أن يجلسه
تحته فنزل أبرهة عن سريره، فجلس على بساطه وأجلسه معه عليه إلى جنبه.
ثم قال لترجمانه: قل له حاجتك؟ فقال له ذلك الترجمان، فقال: حاجتي أن يردّ عليّ الملك مائتي بعير أصابها لي. فلما قال له ذلك قال أبرهة لترجمانه: قل له: لقد كنت أعجبتني حين رأيتك، ثم قد زهدت فيك حين كلّمتني، أتكلمني في مائتي بعير أصبتها لك، وتترك بيتاً هو دينك ودين آبائك قد جئت لهدمه لا تكلّمني فيه؟!.
قال له عبد المطلب: إني أنا ربّ الإبل وإن للبيت ربّاً سيمنعه. قال: ما كان ليمتنع منيّ. قال:أنت وذاك، فرد عليه إبله، وانصرف عبد المطلب إلى قريش، فأخبرهم الخبر، وأمرهم بالخروج من مكة والتحرّز في شَعَف الجبال والشّعاب خوفاً عليهم معّرة الجيش، ثم قام ت عبد المطلب فأخذ بحلقة باب الكعبة، وقام معه نفر من قريش يدعون الله ويستنصرونه على أبرهة وجنده.
قال ابن إسحاق: ثم أرسل عبد المطلب حلقة باب الكعبة، وانطلق هو ومن معه من قريش إلى شعف الجبال فيتحرّزوا فيها ينظرون ما أبرهة فاعل بمكة إذا دخلها، فلما أصبح أبرهة تهيأ لدخول مكة، وهيأ فيله، وعبأ جيشه، وكان اسم الفيل محمودًا، وأبرهة مجمع لهدم البيت ثم الإنصراف إلى اليمن فلما وجهوا الفيل إلى مكة أقبل نفيل بن حبيب حتى قام إلى
جنب الفيل ثم أخذ بأذنه فقال: ابرك أو ارجع راشدًا من حيث جئت، فإنك في بلد الله الحرام ثم أرسل أذنه فبرك الفيل، وخرج يقبل يشتدّ حتى أصعد في الجبل، و ضربوا الفيل ليقوم فأبى، فضربوا رأسه بالطبرزين (آله معقوفة من حديد) فأدخلوا محاجن له (المحجن: عصا معوجة قد جعل فيها حديد) في مراقّه (أسفل بطنه) فبزغوه (أدموه) بها فأبى، فوجّهوه راجعاً
إلى اليمن فقام مهرولا،ً ووجّهوه إلى الشام ففعل مثل ذلك، ووجهوه إلى المشرق ففعل مثل ذلك، ووجهوه إلى مكة فبرك، وأرسل الله عليهم طيراً من البحر أمثال الخطاطيف (الخطاف: طائر أسود) والبلسان (الزرازير) مع كل طائر منها ثلاثة أحجار يحملها، حجر في منقاره  وحجران في رجليه أمثال الحمص والعدس لا تصيب منهم أحداً إلا هلك وليس كلهم أصابت، وخرجوا هاربين يبتدرون الطريق الذي منه جاءوا يتساقطون بكل طريق، و يهلكون بكل مهلك على كل منهل وأصيب أبرهة في جسده فمات(67).
ولسان الحال يقول: لم ننصركم يا معشر قريش على الحبشة لخيرتكم عليهم، ولكن صيانة للبيت العتيق الذي نشرفه ونعظمه ونوقره ببعثة النبي الأمي خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وآله وسلم(68).
ولما بعث الله تعالى محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم كان مما يعد الله على قريش من نعمه عليهم وفضله ما ردّ عنهم من أمر الحبشة؛ لبقاء أمرهم ومدتهم، فقال الله تبارك وتعالى:
{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ ٱلْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ(3) تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ} [الفيل: 1- 5](69).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال يوم فتح مكّة: «إن الله حبس عن مكّة الفيل، وسلط عليها رسوله والمؤمنين، وإنه قد عادت حرمته اليوم كحرمتها بالأمس، ألا فليبلّغ الشاهد الغائب». قال العلماء: كانت قصة الفيل فيما بعد من معجزات النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتمهيداً لشأنه(70).
كما امتن الله تعالى على قريش أيضاً بقوله تعالى:
{لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ (1) إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَـٰذَا ٱلْبَيْتِ (3) ٱلَّذِيۤ أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ} [قريش: 1-4].

مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم

ولد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يوم الإثنين فعن أبي قتادة رضي الله عنه أن أعرابياً سأل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عن صوم يوم الإثنين فقال: «ذلك يوم ولدت فيه، وأنزل عليّ فيه»(71).
والمشهور عند الجمهور أن ولادته صلى الله عليه وآله وسلم كانت يوم الإثنين الثاني عشر من ربيع الأول عام الفيل فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «ولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عام الفيل »(72)، والمشهور أنه بعد خمسين يوماً. الموافق لليوم العشرين من نيسان سنة 571 م الموافق لسنة اثنتين وثمانين وثمانماية لذي القرنين(73).
وكانت ولادته في دار أبي طالب (التي في الزقاق المعروفة بزقاق المولد، في شعب مشهور بشعب بني هاشم، وكانت بيد عقيل، قال ابن الأثير رحمه الله تعالى: قيل إن رسول الله صلى عليه وآله وسلم وهبها عقيل بن أبي طالب، فلم تزل بيده حتى توفي عنها فباعها ولده من محمد بن يوسف أخي الحجاج، وقيل إن عقيلا باعها بعد الهجرة تبعاً لقريش حين باعوا دور المهاجرين(74).
وكانت قابلة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الشفاء أم عبد الرحمن بن عوف «ذكر القاضي عياض عن الشفاء أنها أخبرت به حين سقط على يدها واستهل سمعت قائلاً يقول: يرحمك الله، إنه سطع منه نور رؤيت منه قصور الروم، وعن عثمان بن أبي العاص قال: حدثتني أمي أنها شهدت ولادة آمنه بنت وهب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليلة ولدته، قالت: فما شيء أنظره في البيت إلا نور، وإني أنظر إلى النجوم تدنو حتى إني لأقول يقعن عليَّ (75).
وعن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه عن أمه الشِّفاء بنت عمرو بن عوف رضي الله عنها قالت: لما ولدت آمنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقع على يدي فاستهل، فسمعت قائلاً يقول رحمك الله أو رحمك ربك فأضاء ما بين المشرق والمغرب حتى أني نظرت إلى بعض قصور الروم. قالت: ثم ألبسته وأضجعته فلم أنشب أن غشيتني ظلمة ورعب وقشعريرة عن يميني، فسمعت قائلاً يقول: أين ذهب به؟ قال: إلى المغرب، وأسفر عني ذلك، ثم عاودني ذلك الرعب والقشعريرة عن يساري فسمعت قائلا يقول: أين ذهبت به؟ قال: إلى المشرق، قالت: فلم يزل الحديث مني على بال حتى بعثه الله تعالى(76).
وروى ابن حبان عن حليمة رضي الله عنها عن آمنة أم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنها قالت: إن لابني هذا لشأناً إني حملت به فلم أجد حملاً قط، كان أخفَّ علي، ولا أعظم بركة منه، ثم رأيت نوراً كأنه شهاب خرج مني حين وضعته أضاءت لي أعناق الإبل ببصرى، ثم وضعته، فما وقع كما تقع الصبيان وقع واضعاً يديه بالأرض رافعاً رأسه إلى السماء(77).
وفي حديث أبي أُمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «ورأت أمي أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام»(78).
وعن الحسين ابن البراء -مرسلاً- رحمه الله تعالى قال: قالت آمنة وجدته جاثياً على ركبتيه. ينظر إلى السماء، ثم قبض قبضة من الأرض، وأهوى ساجدًا.
قال بعض أهل الإشارات: لما ولد عيسى عليه السلام قال: «إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا»، فأخبر عن نفسه بالعبودية والرسالة، ونبينا صلى الله عليه وآله وسلم وضع ساجدًا، وخرج معه نور أضاء له ما بين المشرق والمغرب، وقبض قبضة من تراب، ورفع رأسه إلى السماء، فكانت عبودية عيسى المقال، وعبودية محمد صلى الله عليه وآله وسلم الفعال ورسالة عيسى بالإخبار ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم بظهور الأنوار، وفي سجوده صلى الله عليه وآله وسلم عند وضعه إشارة إلى أن مبدأ أمره على القُرْب، قال الله تعالى: {وَٱسْجُدْ وَٱقْتَرِب} [العلق: 19] فحال عيسى عليه السلام يشير إلى مقام العبودية، وحال محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى مقام القرب من الحضرة الإلهية(79).
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «من كرامتي على ربي أني ولدت مختوناً ولم ير أحد سوأتي»(80).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان يهودي قد سكن مكة يتجر بها، فلما كانت تلك الليلة التي ولد فيها رسول الله صلى الله عليه آله وسلم قال في مجلس من قريش: يا معشر قريش هل ولد فيكم الليلة مولود؟ فقال القوم: والله ما نعلمه، قال: احفظوا ما أقول لكم، ولد هذه الليلة نبي هذه الأمة الأخيرة، بين كتفيه علامة فيها شعرات متواترات كأنهن عرف
فرس، لا يرضع ليلتين، فتصدع القوم من مجلسهم وهم يتعجبون من قوله، فلما صاروا إلى منازلهم أخبر كل إنسان منهم أهله، فقالوا: لقد ولد الليلة لعبد الله بن عبد المطلب غلام سموه محمدًا، فالتقى القوم حتى جاؤوا اليهودي فأخبروه الخبر، فقال: اذهبوا معي حتى أنظر إليه، فخرجوا حتى أدخلوه على آمنة، فقالوا: أخرجي إلينا ابنك، فأخرجته، وكشفوا له عن ظهره، فرأى تلك الشامة، فوقع مغشياً عليه، فلما أفاق قالوا: ويلك ما لك؟ قال: والله ذهبت النبوة من بني إسرائيل، أفرحتم به يا معشر قريش؟ والله لَيَسطونّ بكم سطوة يخرج خبرها من المشرق إلى المغرب(81).
وعن أبي الحسن التنوخي رحمه الله قال: كان المولود إذا ولد في قريش دفعوه إلى نسوة من قريش إلى الصبح فكفأن عليه بُرْمة، فلما ولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دُفع إلى نسوة فكفأن عليه برمة، فلما أصبحن أتين فوجدت البرمة قد انفلقتْ عنه باثنتين، فوجدنه مفتوح العين شاخصاً ببصره إلى السماء، فأتاهن عبد المطلب فقلن: ما رأينا مولوداً
مثله، ووجدناه قد انفلقت عنه البرمة، ووجدناه مفتوحاً عينه شاخصاً ببصره إلى السماء فقال: احفظنه فإني أرجو أن يصيب خيرًا(82).
وُلِدَ الهُدى فَالكائِناتُ ضِياءُ ** وَفَمُ الزَمانِ تَبَسُّمٌ وَثَناءُ

تحريف الكلم

إن اسم محمد منذ الأزل لا ينفصم عن النبوة والرسالة، وهو كذلك وقد جاء بالرسالة الخاتمة وبه ختمت النبوة قال تعالى: {وَلَـٰكِن رَّسُولَ ٱللَّهِ وَخَاتَمَ ٱلنَّبِيِّينَ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً} [الأحزاب: 40] رسول رفع الله ذكره، ويتردد على الدوام اسمُه، ولذا كان اسمه هدفاً للتحريف في الحروف، والتحريف في الصفات مع أن اسمّيْ محمد وأحمد وردا في التوراة والإنجيل كما وردت صفاته صلى الله عليه وآله وسلم، فهو معروف بذاته قال تعالى:
{ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ ٱلْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة: 146]، وقال تعالى: {ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَآءَهُمُ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} [الأنعام: 20].
إن هذا الفريق الذي يصر على إنكار الحق عن علم قد خسر نفسه، وخاب أمله، فإرادة الله تعالى فوق كل إرادة، ونوره لا تحول دونه ظلمة قال تعالى:
{يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْوَٰهِهِمْ وَيَأْبَىٰ ٱللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَٰفِرُونَ} [التوبة:32]،وقال تعالى: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْوَٰهِهِمْ وَٱللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَٰفِرُونَ} [الصف: 8].
إن الله تعالى بين الذين يحرفون الكلم، وكشف حقيقتهم، وأظهر قصدهم قال تعالى: {مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَٱسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَٰعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي ٱلدِّينِ}
[النساء: 46]، وقال تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱصْفَحْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ} [المائدة: 13].
إن التحريف في حروف اسم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقصد إلى الإساءة إليه وإلى الإسلام والمسلمين، فالاسم على الشبكة العنكبوتية يرد بصور ثلاث (Mohamet, Mohammed, Mohammad).
يقول الدكتور عبد الكريم وفرة من المغرب: فحين تتصفح اسم النبي الكريم من خلال محركات البحث المختلفة على شبكة الإنترنت تجد صفحات بالملايين، وبلغات مختلفة تتحدث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حديثاً تختلط فيه كثير من المشاعر والمواقف المؤيدة أو المعارضة لرسالة الإسلام (83). ويشير إلى أن بعض الموسوعات اليهودية المعاصرة تعمد إلى تقديم صورة مشوهة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ورسالته، فقد
زعم محررو تلك الموسوعة أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم اطلع على نسخة قديمة من شروح التوراة هكذا دون تفصيل للمسألة، ودون ذكر أي وثيقة تاريخية مرفقة تعضد هذا الرأي الذي لا يعدو أن يكون انطباعاً يصدر عن نفوس تتمنى أن يكون الإسلام صورة طبق الأصل للديانة اليهودية(84).
هذه الموسوعة هي:
Geoffrry wigader /sous/ a direction de: 1996 Dictionnaire
ency clopediyue du Judaisme Editions du cerfi Robert Paris. 163 pages.1 وتصر هذه الموسوعة على تسمية النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم Mohomet ويُعرف جيداً أن هذا الاسم مرتبط بكلمة Mahom في اللغة الفرنسية التي تعود إلى القرون الوسطى، ونعي جيداً أن تلك الحقبة التاريخية هي مرحلة ساد فيها الجهل والظلم والتخلف والمجاعة والأوبئة والشرور والآثام والبطش والتنكيل والإقطاع وغلبة رجال الدين، وهيمنة الكنيسة، وتوزيع صكوك الغفران، وتحديد مقاييس دخول الجنة أو جهنم.
وهذا الإصرار العجيب على استعمال تسمية Mohamet بقصد تشويه الاسم الحقيقي للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم خصوصاً أن القواعد الصوتية والصرفية للغات اللاتينية لا تتعارض إطلاقاً مع مسألة إدراج الاسم الحقيقي لنبي الإسلام، وينتج عن هذا الإصرار احتقار واضح لكل ما له صلة بالإسلام والمسلمين عموماً الذين يتحولون في سياق هذا التحريف اللفظي إلى «محمديين» و تصبح ديانتهم ديانة «محمدية » أي مذهباً وضعياً لا ينفصل في شيء عن المذاهب الوضعية الأخرى.
كل هذا يضعنا أمام صورة نمطية يحتفظ الغرب بها في حديثه عن الإسلام، وموقف متناقض من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قبل البعثة وبعد البعثة قال تعالى:{وَلَمَّا جَآءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَآءَهُمْ مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ} [البقرة: 89].
وأن التقدم الهائل في تكنولوجيا المعلومات، وتمكن الأفراد والمؤسسات من مخاطبة العالم عبر الشبكة العنكبوتية، وطرح الآراء والأفكار والمعتقدات يكشف عن كمية ما يُعرض وبلا حدود، ومع ذلك فإنه يعكس الموقف من الرسول بخاصة ومن الإسلام بعامة مع وضوح الكذب والتحريف.
ولقد قام الدكتور عبد الكريم بوقرة بعملية جرد للتسميات الثلاث من خلال محركات البحث المختلفة على شبكة الإنترنت، وتوصل إلى نتائج غريبة حول هذه الصفحات المخصصة لكل اسم، وإلى الصفة المرتبطة بهذا الاسم أو ذاك.
اسم محرك البحث مع اسم محمد صلى الله عليه وآله وسلم وكلمة البحث مع نتائج الصفحات بآلاف الملايين:

اسم محرك البحث Mohammad MOHAMMED

Mohammadthe Prophet

Mohammedthe Prophe

Mohomet

Mohomed Prophete

Yahoo

15000000

343000000 3780000 3790000 1300000 368000
Google.com

20200000

49000000 1600000 5370000 2600000

201000

Google.fr

800000

387000 201000 568000 2150000

646000

MSN

1279199

2284318 231752 016827 240610

44533

ضم الجدول عدد الصفحات (بالمليون أو الألف) التي تختزنها محركات البحث باللغات اللاتينية بالإضافة إلى اللغة العربية والعبرية.
وينبغي الإشارة إلى أن تسمية محمد في العمودين الأول والثاني تجمع بين اسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأسماء أخرى تحمل ذات الاسم، وحينما نطلب من محرك البحث Google أن تتحول واجهته الرئيسية ومجالات البحث باللغة العبرية بشكل كلي فإننا نجد عدد صفحات מוחמד (محمد) 9280000، מוחמד נבי (محمد النبي) 123000 صفحة أما واجهة Google باللغة العربية فتعطي محمد: 735000 صفحة ومحمد النبي 2390000 صفحة محمد صلى الله عليه وآله وسلم 814 صفحة.
وحينما نطلب من محرك البحث العربي الهدهد عدد الصفحات التي يختزنها حول اسم محمد نجده يعطي عدد الصفحات التالية: محمد: 322788 صفحة، محمد النبي: 81313 صفحة، محمد صلى الله عليه وآله وسلم 89173 صفحة.
وتبدو هذه الأرقام هزيلة جدًا بالمقارنة مع مثيلاتها من لغات أخرى كما أشرنا إلى ذلك في الجدول(85).

المصادر والمراجع

  1. القرآن الكريم.
  2. المعجم المفهرس، وضعه محمد فؤاد عبد الباقي، مؤسسة مناهل العرفان، بيروت.
  3. تفسير القرآن العظيم، لأبي الفداء إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي المتوفى سنة 774هـ ،دار إحياء الكتب العربية، عيسى البابي الحلبي وشركاه.
  4. الجامع لأحكام القرآن، لأبي عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي المتوفى سنة 671 هـ – 1273م، الناشر مؤسسة مناهل العرفان- بيروت، توزيع مكتبة الغزالي- دمشق.
  5. أنوار التنزيل وأسرار التأويل المسمى تفسير البيضاوي، تأليف الإمام ناصر الدين أبو الخير عبد الله بن عمر الشيرازي البيضاوي، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.
  6. تفسير النسفي، للعلامة أبي البركات عبد الله بن أحمد بن محمود النسفي، دار الكتاب العربي- بيروت.
  7. تفسير ابن عطية، المحرر الوجيز في تفسير العزيز لأبي محمد عبد الحق بن عطية الأندلسي، تحقيق وتعليق السيد عبد العال إبراهيم، ط1، 1411 هـ – 1991 م
  8. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، للإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني، دار إحياء التراث العربي- بيروت، ط2 ، 1402هـ.
  9. صحيح مسلم بشرح النووي راجعه وضبطه وقابله مجموعة من طلبة العلم بإشراف حسن عباس قطب، دار عالم الكتب للطباعة والنشر والتوزيع- الرياض.
  10. التاج الجامع للأصول في أحاديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، الشيخ منصور علي ناصف، دار التربية للطباعة والنشر والتوزيع- بغداد، دار الفكر- بيروت، ط 4، 1395 هـ – 1975 م.
  11. المنتقى في اخبار المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، لمجد الدين أبي البركات عبد السلام بن تيمية الحراني، وقف على تصحيحه وعلى هوامشه محمد حامد الفقي 1402هـ- 1982م.
  12. فيض القدير شرح الجامع الصغير، للعلامة المناوي، ط 1، 1356هـ – 1938، ط 2، 1424هـ – 2003 م، الناشر مكتبة مصر سعيد جودة السحار وشركاه.
  13. مشكاة المصابيح، للعلامة الشيخ ولي الدين عبد الله بن محمد بن عبد الله الخطيب التبريزي مع شرحه مرعاة المفاتيح للشيخ أبي الحسن عبد الله بن العلامة محمد عبد السلام المباركفوري، الناشر إدارة البحوث السلفية والدعوة والإفتاء بالجامعة السلفية، إينارس- الهند، ط 3، 1405 هـ – 1985م.
  14. نزهة المتقين شرح رياض الصالحين من كلام سيد المرسلين، للإمام الحافظ الفقيه أبي زكريا مجير الدين يحيى النووي، تأليف د. مصطفى عبد الحق ومجموعة من العلماء، مؤسسة الرسالة- بيروت، ط 1، 1397 هـ 1977 م، ط 6، 1404هـ – 1984 م.
  15. فقه السنة، سيد سابق، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع- بيروت، ط 4، 1403 هـ – 1983 م.
  16. نزهة المجالس وبهامشه كتاب طهارة القلوب والخضوع لعلام الغيوب، لسيد عبد العزيز الدريني، ملتزم الطبع والنشر عبد الحميد أحمد حنفي بشارع الشهيد الحسيني برقم 18 .
  17. قصص الأنبياء، للإمام أبي الفداء إسماعيل بن كثير 701 – 774هـ ،تحقيق وتعليق عبد القادر أحمد عطا، دار الفكر للنشر والتوزيع، عمان- الأردن، ط 1.
  18. قصص الأنبياء وأحداثها وعبرها، محمد الفقي، مكتبة وهبة- القاهرة، ط 2 ، 1410هـ – 1989م.
  19. مزاج التسنيم في قصص الأنبياء والمرسلين وما بعد ذلك إلى يومنا هذا، محمود الكناني، مراجعة د. عبد الله الفاروقي، ط 1، 1408هـ – 1987 م.
  20. الأنوار المحمدية من المواهب اللدنية تأليف يوسف بن إسماعيل النبهاني رئيس محكمة الحقوق في بيروت.
  21. نور اليقين في سيرة سيد المرسلين، للشيخ محمد الخضري بك المفتش بوزارة المعارف، ط 5.
  22. تهذيب سيرة ابن هشام، عبد السلام هارون، دار البحوث العلمية- الكويت، مؤسسة الرسالة- بيروت.
  23. رحمة للعالمين، القاضي محمد سليمان بن سلمان المنصوفوري، تعريب عبد السلام عين الحق السلفي، الناشر الدار السلفية- بومباي، الهند، ط 2، 1412هـ-1992م.
  24. السيرة النبوية دروس وعبر، د. مصطفى السباعي، دار الوراق- بيروت، ط 4 ، 1422هـ- 2002م.
  25. محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أ. د. منير البياتي، دار النفائس- عمان ط 2 منقحة 1427 هـ- 2006م.
  26. مع المصطفى في عصر المبعث، د. بنت الشاطئ، دار المعارف- مصر، اقرا تصدر في أول كل شهر 323 .
  27. إعلام الساجد بأحكام المساجد، محمد عبد الله الزركشي، تحقيق فضيلة الشيخ أبو الوفا مصطفى المراغي- القاهرة،1397هـ .
  28. سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد، للإمام محمد بن يوسف الصالحي الشامي المتوفى سنة 942 هـ ، تحقيق وتعليق الشيخ عادل أحمد بن عبد الموجود والشيخ علي محمد معوض، دار الكتب العلمية- بيروت، ط 1، 1414 هـ – 1993 م.
  29. كتاب الدين والدولة في إثبات نبوة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، علي بن ربن الطبري وساعده فيه جعفر الإمام المتوكل على الله أمير، المؤمنين 132 هـ – 247 هـ ، الناشر المكتبة العتيقة- تونس.
  30. زاد المعاد في هدي خير العباد، ابن القيم الجوزية، حقق نصوصه وخرج أحاديثه وعلق عليه- شعيب الأرناؤوط وعبد القادر الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة- بيروت، ط 1، 1399 هـ – 1979 م.
  31. محمد في التوراة والإنجيل والقرآن، إبراهيم خليل أحمد، دار المنار- القاهرة، 1409 هـ – 1989 م.
  32. محمد في الكتاب المقدس، البروفسور عبد الأحد داود، ترجمه فهمي شما ، مراجعة وتعليق أحمد محمد الصديق، كل الحقوق محفوظة لرئاسة المحاكم الشرعية والشؤون الدينية بدولة قطر، ط 1، 1405 هـ – 1985 م.
  33. مناظرة بين الإسلام والنصرانية لمناقشة العقيدة الدينية بين مجموعة من رجال الفكر من الديانتين الإسلامية والنصرانية، طبع ونشر الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، وكالة الطباعة والترجمة- الرياض، ط 1، 1407هـ- 1987 م، ط 2 ،1413هـ- 1992 م، دار عالم الكتب للطباعة والنشر والتوزيع.
  34. البداية والنهاية، الحافظ ابن كثير الدمشقي، مكتبة المعارف – بيروت 1420هـ – 1999 م.
  35. محاضرات تاريخ الأمم الإسلامية، الشيخ محمد الخضري بك المفتش العام بوزارة المعارف، المكتبة التجارية الكبرى- مصر، ط8، 1382هـ.
  36. المشكاة مجلة الأدب الإسلامي، ملف العدد صورة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الآداب العالمية، عدد خاص مزدوج 48/ 49، 1428 هـ – 2007 م، تصدر عن المكتب الإقليمي لرابطة الأدب الإسلامي العالمية في المغرب.