جدولة حوادث السيرة النبوية

معالي الأستاذ الدكتور محمد المختار ولد أباه

عمّان- المملكة الأردنيّة الهاشميّة

من بين المعاني التي قد يوحي بها هذا العنوان محاولة توثيق حوادث السيرة النبوية الشريفة في تواريخ محددة إما بالأيام أو بالأشهر أو بالسنين.

1. أيام النبي صلى الله عليه وسلم

أما محاولة ربطها بالأيام فإنها قد تقتصر على مجموع الأيام المذكورة في مصادرها المعتمدة، وهي قليلة بالنسبة لعدد أيام حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، التي قد بلغت نحوًا من ثلاثين ألف يوم.
والمصادر المتاحة لا تعطي منها إلا النزر اليسير، مثل أيامه السبع الأولى التي كانت فيها أمه ترضعه قبل أم أيمن وقبل قدوم حليمة السعدية إلى مكة لتذهب به عليه الصلاة والسلام.
ومن هذه الأيام ما ورد في غزواته أو في حجة الوداع.

2. ربط حياته بأشهره صلى الله عليه وسلم

أما فيما يخص ربطها بالأشهر فإننا سوف نواجه نفس المشكلة، سواء في التناسب بين عدد الحوادث الموثقة، أو في عدد أشهر حياته صلى الله عليه وسلم، وهذا العدد يمكن تقديره بسبعمائة وخمسين شهرًا.
والأشهر المرتبطة بحوادث السيرة قليلة مع أن مجموعة منها قد تم ضبطها في تاريخ حياته عليه الصلاة والسلام، نذكر من أمثلتها ما نظمه الشاعر امحمد بن أحمد يوره الشنقيطي في قوله:

قالت حليمة على شهرين **  حبا النبي سيد الكونين
وفي ثلاثة على رجليه      ** قدقام صلى ربنا عليه
ويمسك الجدار عند الرابع ** حال المسير مثل بدر لامع
وعند خمسة سراج النادي ** قام على الأرض بلا استناد
وعند حاء من شهور سُمعا ** كلامه طوبى لمن لها وعى
وبالفصيح عند تسعة نطق ** فجاء منه بعجيب لم يطق
وبالسهام عند عشرة رمى ** صلى عليه ربنا وسلّما

فمن خلال هذه المنظومة البديعة يمكن معرفة وتحديد مراحل معينة من العقد الأول من حياته وسيرته صلى الله عليه وسلم كبلوغه طور الحبو بعد شهرين من مولده الشريف، ثم قيامه على رجليه الشريفتين عندما وصل الشهر الثالث، واستناده في السير على الجدار عند وصول سنه الشهر الرابع، ثم قيامه مستق لا لا دون اعتماد ولا استناد عندما بلغ خمسة أشهر، ثم يسمع كلامه ونطقه عند الثامن من شهوره وتتجلى فصاحة قوله في شهره التاسع، ثم يرمي بأسهمه عندما يصل إلى شهره العاشر.
3. جدولة سيرته حسب السنين
أ. مولده وطفولته
ومن المعلوم أن مولده صلى الله عليه وسلم كان عام الفيل بمكّة المكرّمة طبقاً لما نظمه محمد فال (ببها) بن محمذن بقوله:

ولد طه أفضل الأنام  ** عام قدوم الفيل للأقوام
بمكّة الميمونة الغرّاء ** دار السنا والحج والبهاء

وكان ميلاده الشريف في الثاني عشر من ربيع الأول على أشهر أقوال أهل السّير والمؤرخين، الموافق عشرين إبريل سنة 570 م.
وقد توفي عنه والده عبد الله وهو حمل في بطن أمه، وكان عمر أبيه ثمانية عشر عاماً
وفقا لما نظمه محمدفال (اباه) بن عبد الله بقوله:
وكان موت والد النبي ** وعمره حي على المرضي

وعندما أبصر صلوات الله وسلامه عليه نور الوجود كانت أول مرضع له من أهل مكة ثويبة مولاة عمه أبي لهب، والتي أعتقها سيدها لما بشرته بمولده صلى الله عليه وسلم.
وبعد ثويبة تأتي حليمة لتنال الحظ الأوفر من إرضاع النبي صلى الله عليه وسلم فتحمله معها إلى بلادها، ولتنال من بركاته العظام التي فاضت عليها وعلى أهلها.
وقد لبث رسول الله صلى الله عليه وسلم مع مرضعته السعدية خمس سنين كما صححه المحققون من أهل السير.
وكانت أعظم حادثة وقعت له صلى الله عليه وسلم فترة إقامته في أرض بني سعد مع مرضعته حليمة حادثة شق صدره الشريف وهو ابن عامين وشهرين.
وبعد هذه الحادثة أتت حليمة به صلى الله عليه وسلم إلى أمه آمنة التي رغبت أن تذهب به إلى المدينة لزيارة أخوال جده عبد المطلب بني النجار، وليغتنم زيارة قبر أبيه الذي مات في أخواله، إلا أن الوالدة آمنة سرعان ما وافاها الأجل المحتوم في طريقها إلى مكّة بالأبواء ودفنت فيه، وكان عمر النبي صلى الله عليه وسلم إبان موت والدته سبع سنين، أما هي فقد أكملت عقدين من السنين.
وبعد وفاة آمنة كفلته حاضنته أم أيمن التي قال فيها: “أمي بعد أمي”، والتي رجعت به إلى جده عبدّ المطّلب في مكّة ليتربى تحت كفالته.
وبعدما بلغ صلى الله عليه وسلم سنه الثامنة توفي جدّه عبد المطّلب، فكفله عمه أبو طالب شقيق والده عبد الله بوصية من عبد المطلب.
وقد رافق النبي صلى الله عليه وسلم عمه أبا طالب، وكان عمره آنذاك اثني عشر سنة، وقيل ثلاثة عشر، وذلك في سفره إلى الشام للتجارة. وكانت في هذا السفر قصة بحيرى الراهب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث أمر بحيرى أبا طالب أن يرد النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكّة خوفاً عليه من أذى وبطش اليهود بعدما رأى فيه مواصفات النبوة.
وعندما يكمل النبي صلى الله عليه وسلم عقدين من عمره يحضر حرب الفجّار مع أعمامه.
ب. رحلته وزواجه من خديجة
ومن أشهر الحوادث المكيّة زواج النبي صلى الله عليه وسلم من خديجة أم المؤمنين بعدما رجع من الشام في تجارتها ومعه غلامها ميسرة، ونالت تلك التجارة الربح الوفير ببركة خروجه صلى الله عليه وسلم فيها وكان عمره خمساً وعشرين سنة.
وبعد زواج أمنا خديجة من سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر أهل السير مواليد بناته الكريمات، فقد أوردوا أن بنته الكبرى زينب ولدت في الثلاثين من عام الفيل، وبعدها بثلاث سنوات ولدت رقية، ثم ابنته الصغرى فاطمة البتول التي ولدت في الأربعين من عام الفيل، بعد نزول الوحي على الرسول الكريم. ولم تسعفني المراجع بمواليد أبنائه مع العلم أن أول مولود له هو ابنه القاسم.
وقبل شروق شمس الوحي بخمس سنين حضر النبي صلى الله عليه وسلم بناء الكعبة، وكان الفيصل الحاسم في حل مشكلة الخلاف بين قريش عند وضع الحجر حيث ارتضوا رأيه الميمون بعدما اقترح وضعه في ثوب تأخذ كل قبيلة من قريش بطرفه.
ج. بعثته صلى الله عليه وسلم ودعوته
ومن أهم حوادث مرحلة حياته بعد الوحي والبعثة كيفية استقبال أهل مكة للدعوة، فبعد أربعة أعوام من البعثة أعلن النبي صلى الله عليه وسلم الدعوة إلى الإسلام جهارًا، وفي العام الخامس هاجر بعض المسلمين إلى الحبشة عندما شعروا بمضايقة وأذى المشركين من قريش، وكثرت معاناة المستضعفين من العذاب الأليم كما حصل بآل ياسر وغيرهم من مستضعفي المؤمنين بالدعوة المحمدية.
وفي السنة السادسة ولدت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.
ومن أبرز الحوادث التي ضبطت بعد بعثته صلى الله عليه وسلم قضية إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي كان فتحاً على المسلمين في السنة السابعة من البعثة، وقد سبقه إسلام عم النبي صلى الله عليه وسلم وسيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه بيومين.
ومن الحوادث العظام التي عرفتها مكة بعد البعثة والدعوة حصار المسلمين وبني هاشم في الشعب الذي ضرب عليهم من طرف المشركين عندما رأوا انتشار الإسلام بين الناس وامتناع أبي طالب من تسليم ابن أخيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان الحصار في المحرم في السنة السابعة من البعثة كما ضبط تاريخه المحققون، وقيل في الثامنة
واستمر ما يقارب ثلاث سنين.
ومما ضبطه علماء السير والتاريخ تلك الآية الكريمة العظمى والمعجزة الباهرة الكبرى التي نصر الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم وخصه بها عن سائر الرسل وهي حادثة انشقاق القمر التي وقعت في السنة التاسعة بعد البعثة وكانت تحدياً للكفار المشركين. وقد أشار إلى خصوصية هذه المعجزة بالنبي صلى الله عليه وسلم العلامة محمد فال (اباه) بن
عبد الله قائلا:
معجزة خص بها لم تكن ** لغيره على ممر الزمن

وتأتي السنة العاشرة بعد النبوءة عندما يصل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سن الخمسين فيصاب بالحزن المؤلم عندما يفقد عمه المدافع عنه أبا طالب وزوجه أم المؤمنين خديجة التي كانت عوناً له على الدعوة، فيسمى هذا العام عام الحزن.
وفي نفس العام سار النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى الطائف يلتمس النصرة من ثقيف إلا أنهم لم يستجيبوا لما طلب منهم بل قابلوه بأشد الإذاية، لكن الله توعدهم حيث أرسل ملك الجبال يعرض عليه صلى الله عليه وسلم إطباق الأخشبين – الجبلين العظيمين – على أهل الطائف لكن الرسول صلوات الله وسلامه عليه اختار لهم التوفيق والهداية لكونه نبي الرحمة. وفي منصرفه من الطائف جاءه سبع من جن نصيبين عند نخلة فآمنوا به.
وفي السنة الحادية عشر بعد البعثة رجع النبي صلى الله عليه وسلم قاف لا لا من الطائف إلى مكة بعدما أجاره المطعم بن عدي، وكان له الدور البارز في نفس العام في فك الحصار الظالم عن بني هاشم. كما حصل في هذه السنة من الآيات العظام التي توحي بعلو المقام النبوي الشريف حادثة الإسراء والمعراج التي نال فيها النبي صلى الله عليه وسلم قمة
الإكرام والحفاوة من عالم الم أ الأعلى. وكان من نتائج الإسراء فرض الصلوات الخمس على المسلمين.
ومما احتضنته هذه السنة من الأحداث إسلام أهل العقبة الأولى عندما اجتمع النبي صلى الله عليه وسلم بنفر من الأنصار أراد الله لهم الخير فهداهم إلى الإسلام وآمنوا وبايعوه صلى الله عليه وسلم دون القتال.
وفي العام القادم – الثاني عشر من البعثة – كانت بيعة العقبة الكبرى حيث حضر سبعون من الأنصار، اجتمعوا مع النبي صلى الله عليه وسلم فبايعوه على الإيمان ونصرته على الأعداء، وكانت هذه البيعة العامل الرئيسي في انتشار الإسلام في دور الأنصار في المدينة.
4. الفترة المدنية
وبعدما أضاء شعاع الإسلام في سماء المدينة وأصبح للمسلمين العون والنصرة من أهل المدينة، أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالهجرة إليها في السنة الثالثة عشر من البعثة، وفيها وصل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى طيبة المطيبة، دار الهجرة ومأزر الإيمان، وكان يوماً عظيماً لأهل المدينة من الأنصار حيث قابلوه بجميع أصناف الاحتفال والاحتفاء.
وهكذا تصبح المدينة المنورة عاصمة الإيمان والإسلام، ومأوى للمؤمنين المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله واستضعفوا وظلموا.

أ. السنة الأولى

فكان أول ما حصل في السنة الأولى من الهجرة المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار كما هو معلوم ومبسوط في كتب السّير، كما أتمت الصلاة الحضرية في نفس العام بعد شهر من مقدم الرسول عليه الصلاة السلام، كما جاء على لسان الناظم:

في السنة الأولى من الهجرة قد ** كانت لأهل الدين أشياء تعد
منها المؤاخاة من المختار  ** بين المهاجرين والأنصار
وبعد شهر من قدوم المضري **  قد تمت له صلاة الحضر

ومما تميزت به السنة الأولى الهجرية أيضا بناء مسجده الشريف بعد انتقاله من قباء إلى المدينة، وبناء مساكن أمهات المؤمنين. كما بدأ النبي صلى الله عليه وسلم ببعث السرايا والبعوث. فقد بعث عمه سيد الشهداء حمزة رضي الله عنه في سرية ترصد عيراً لقريش وأخرى بقيادة عبيدة بن الحارث المطلبي رضي الله عنه في نفس المهمة.
وممن توفي في هذا العام من أعلام الصحابة أسعد بن زرارة رضي الله عنه أحد نقباء الأنصار ومن السابقين إلى الإسلام من أهل العقبة. وفي هذه السنة اعتنق الدين الإسلامي الحنيف عبد الله بن سلام رضي الله عنه أحد كبار أحبار اليهود لما رأى صفات النبوءة في النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي هذا العام أيضا أقام النبي صلى الله عليه وسلم موادعة صلح مع اليهود، وكتب لهم كتاباً يتضمن بنود الصلح قبل أن ينقضوا عراه.
وبعد مضي شهرين من السنة الأولى من الهجرة توفي البراء بن معرور رضي الله عنه أحد النقباء من الأنصار. كما شرعت فيها صلاة الجنازة. ومما حصل في هذه السنة وفاة اثنين من صناديد الكفر المستهزئين بالنبي صلى الله عليه وسلم وهما الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل
السهمي، وقد جزع الوليد عند احتضاره على انتشار الدين الإسلامي، فكان أن طمأنه أبو سفيان على الوقوف أمام سير الدعوة المحمدية لكن يأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.

ب. السنة الثانية
وفي العام الثاني من الهجرة وقعت عدة غزوات خرج فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم كبدر الأولى التي لم يقع فيها قتال، وكذلك بواط وقرقرة الكدر وبدر الكبرى التي انتصر فيها الحق على الباطل. ثم غزوة بني قينقاع الذين كانوا هم أول من نقض عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليهود، وقد تم جلاؤهم عن المدينة في هذه الغزوة، وكذلك غزوة العشيرة.

كما عرفت هذه السنة ميلاد الصحابي عبد الله بن الزبير بن العوام رضي الله عنهما من المهاجرين والنعمان بن بشير بن سعد رضي الله عنهما من الأنصار.
ومما شرع في هذه السنة من الأحكام فرض الصيام وزكاة الفطر وتحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة، وسنت فيها صلاة العيدين. كما تزوج فيها سيدنا علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه من سيدتنا فاطمة الزهراء رضي الله عنها.
وممن توفي فيها من أجلاء الصحابة عثمان بن مظعون رضي الله عنه، الذي يعتبر أول دفين في البقيع.

ج. السنة الثالثة
ومما عرفته السنة الثالثة الهجرية من الأحداث والوقائع مجموعة من الغزوات خرج فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل غزوات بني سليم وغطفان وأحد وحمراء الأسد، وبعثي الرجيع وبئر معونة اللذين استشهد فيهما أكثر الصحابة رضوان الله عليهم.
وقد ولد فيها سبط النبي صلى الله عليه وسلم وريحانته سيدنا الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما. وفيها تزوج النبي صلى الله عليه وسلم أم المساكين زينب بنت خزيمة رضي الله عنها. كما تزوج فيها الخليفة عثمان رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفيما حُرّمت الخمر. وفيها بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية إلى عدو الله كعب
بن الأشرف الذي كان يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين، وقد ترأس هذه السرية محمد بن مسلمة رضي الله عنه، فأخذه أصحاب السرية فقتلوه فلما أخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك قال: «أفلحت الوجوه ».

د. السنة الرابعة
وفي السنة الرابعة من الهجرة كان جلاء بني النضير من اليهود بعدما كانوا أرادوا قتل النبي صلى الله عليه وسلم، وفيها شر شرعت صلاة الخوف، وفيها وقعت غزوة ذات الرقاع. كما تم فيها الزواج بين النبي صلى الله عليه وسلم وأم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها، وتوفيت في هذا العام أم المؤمنين زينب بنت خزيمة رضي الله عنها المعروفة بأم
المساكين. وفيها أبصر النور سيدنا الحسين بن علي رضي الله عنهما سبط الرسول صلى الله عليه وسلم من ابنته الزهراء رضي الله عنها.

ه. السنة الخامسة
ومن أبرز حوادث السنة الخامسة من هجرته صلى الله عليه وسلم وقوع غزوات الخندق وبني قريظة اللتين نصر الله فيهما رسوله والمسلمين وشتت فيها شمل أهل الأحزاب المشركين، كما كسر في هاتين الغزوتين شوكة اليهود الحاقدين. وفيها كانت أيضا غزوة بني المصطلق بالمريسيع التي انتصر فيها المسلمون، وكان من نتائجها المباركة تزويج رسول الله
صلى الله عليه وسلم بجويرية بنت سيد بني المصطلق الحارث بن أبي ضرار وكانت أعظم امرأة بركة على قومها حيث فُكّ لها أسرى قبيلتها وأسلم أبوها الحارث.
وفي هذه الغزوة صدرت تلك المقالة المشهورة من رأس المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول وهي كما أخبر عنه المولى سبحانه {لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ ٱلأَعَزُّ مِنْهَا ٱلأَذَلَّ} [المنافقون: 8] لكن النبي صلى الله عليه وسلم برحمته وحكمته خشي الفتنة بقتله وخاف أن يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه فعامله بالرفق واللين والحسن إلى أن مات المنافق.
وفي هذه السنة توفي من أعلام الصحابة الكبار سيد الأنصار سعد بن معاذ الأوسي الأشهلي رضي الله عنه بعدما انتفض جرحه فمات منها شهيدًا. كما وقعت فيها قصة الإفك المشهورة في كتب السيرة ومراجع التفسير. ومما شرع فيها من الأحكام وشعائر الإسلام فريضة الحج، وكذلك شرعت فيها صلاة الكسوف.

و. السنة السادسة
ومن أهم ما وقع في السنة السادسة من الهجرة من الحوادث العظام بيعة الرضوان وغزوة الحديبية التي كانت تمهيدًا لفتح مكة الأعظم، كما نزلت فيها سورة الفتح وآية الظهار. كما حصلت فيها غزوتا الغابة ولحيان. وفيها استسقى النبي صلى الله عليه وسلم فجادت السماء بوابل من المطر، امت أت منه الأودية، فعم الخير وأمرعت الأرض.

ز. السنة السابعة
وفي السنة السابعة كان فتح خيبر الذي انتصر فيه المسلمون على اليهود حيث قتل منهم ما ينيف على التسعين. كما كانت فيها عمرة القضاء، وكانت من نتائج صلح الحديبية. وفي هذا العام تزوج النبي صلى الله عليه وسلم من صفية بنت حيي بن أخطب أحد رؤساء اليهود فآمنت وحسن إسلامها وجعل عتقها صداقها وكانت من أمهات المؤمنين. وفيه أيضا حظيت رملة أم حبيبة بنت أبي سفيان بالزواج من رسول الله صلى الله عليه وسلم لتنخرط في سلك أمهات المؤمنين.
ومن المعجزات الباهرة التي حصلت في هذا العام بعد انتهاء معركة خيبر عندما أهدت زينب بنت الحارث اليهودية شاة مسمومة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلما مضغ من لحمها أخبرته الشاة أنها مسمومة، كما تجلّت فيها معجزة رد الشمس.
وفي هذه السنة أسلم أبو هريرة وعمران بن الحصين رضي الله عنهما ليصبحا من كبار الصحابة الملازمين لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومما شرع فيها من الأحكام تحريم لحوم الحمر الأهلية وكذلك النهي عن متعة النساء.

ح. السنة الثامنة

وفيما يخص السنة الثامنة من الهجرة النبوية، فقد وقعت فيها حوادث في غاية الأهمية، وكان من أبرزها قدوم خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعثمان بن طلحة إلى المدينة معلنين إسلامهم فآمنوا وبايعوا وأصبحوا من زمرة الصحابة رضوان الله عليهم.
ومن أشهر المغازي التي حصلت في هذه السنة غزوة مؤتة التي استشهد فيها أمراء الجيش الثلاثة: زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة رضي الله عنهم، وقد انتهت المعركة بنصر المسلمين بعدما أسندوا قيادة الجيش إلى سيف الله خالد بن الوليد رضي الله عنه.
كما حدث فيها فتح مكة الأعظم الذي ظهر فيه الحق وزهق الباطل وانكسر الأصنام ورفعت راية التوحيد وطهرت مكة من أدناس الكفر وعبدة الأوثان والطواغيت ورفع فيها نداء الإسلام.
وبعد فتح مكة كانت غزوة حنين والتي كان النصر فيها أخيرًا للمسلمين، ثم غزوة الطائف التي دعا النبي صلى الله عليه وسلم لأهلها بالهداية، فهدوا للإسلام، وجاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فآمنوا وصدقوا.
ومن أهم ما نختم به حوادث هذه السنة ميلاد إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم من مارية القبطية التي أهداها له المقوقس ملك مصر.

ط. السنة التاسعة

ومما ضبط من الوقائع والمستجدات التاريخية في سنة تسع من هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم قصة إيلاء النبي صلى الله عليه وسلم من زوجاته حيث آلى منهن شهرًا.
كما وقع في نفس السنة هدم مسجد الضرار بأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم لما علم أن المنافقين بنوه للإضرار والمكر بالمسلمين. وفيها غزا النبي صلى الله عليه وسلم تبوك في جيش كبير من المسلمين قوامه ثلاثون ألفا في زمان الشدة والعسرة لقتال الروم، ولما قفل النبي صلى الله عليه وسلم راجعاً من تبوك أقبلت عليه وفود العرب قبيلة قبيلة. وممن مات في هذه السنة من الأعلام ملك الحبشة النجاشي وصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه صلاة الغائب.
وفيها توفيت أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت عند الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه.
ومما حدث في هذه السنة من الطوارئ حجة أبي بكر الصديق رضي الله عنه بتعاليم من النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أتبعه بعلي بن أبي طالب رضي الله عنه يقرأ سورة براءة مع تطبيق لما ورد فيها من الأحكام.
وممن مات فيها من الأعلام عروة بن مسعود الثقفي الذي أسلم بعد انتهاء النبي صلى الله عليه وسلم من معركة الطائف، ولما آمن دعا قومه ثقيفاً إلى الإسلام، فرماه بعضهم بالنبل فنال رضي الله عنه الشهادة بذلك.
وفيها نال كعب بن زهير الأمان من رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أسلم ومدحه بقصيدته الرائعة التي كافأه عليها النبي صلى الله عليه وسلم بخلع بردته عليه مما أكسبها قيمة عالية عند الخلفاء الملوك.
وفي هذا العام اعتنقت قبيلة ثقيف الدين الإسلامي بعد دعوة مستجابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن الحوادث المهمة في هذه السنة قدوم عدي بن حاتم الطائي على النبي صلى الله عليه وسلم بعدما غزت خيل المسلمين بلاد طيء وسبيت أخته سفانة التي كانت سبباً في مقدم عدي على رسول الله صلى الله عليه وسلم وإسلامه.
وفيها أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم الوليد بن عقبة بن أبي معيط إلى بني المصطلق ساعياً لأخذ زكواتهم، فلما عرفوه قاموا إليه احتفاء به لكنه ظن خلاف ذلك فرأى أنهم يريدون قتله فبادر مسرعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره بما ظن من بني المصطلق، لكن الله كشف الخبر ونزل قوله تعالى {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوۤاْ …} [الحجرات: 6].

ي. السنة العاشرة
وفي السنة العاشرة من هجرة نبينا المختار صلوات الله وسلامه عليه كانت حجة النبي صلى الله عليه وسلم الأخيرة فبذلك سميت حجة الوداع، وقد خطب فيها خطبته المشهورة التي اشتملت على كثير من الأحكام الفقهية والتعاليم الإسلامية، كما خطب أيضاً في غدير خم، وفي ذلك الموضع دعا علياً رضي الله عنه وقال: «من كنت مولاه فعلياً
مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه».
ومن أهم حوادث هذه السنة المؤلمة وفاة سيدنا إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكفى عزاء ما قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم عند وفاته: «إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع، ولا نقول إلا ما يرضي ربّنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون ».
ومما وقع فيها من الحوادث الكونية كسوف الشمس فشرعت صلاة الكسوف حينئذ.
كما أسلم فيها كل من ثعلبة بن سعنة اليهودي، ثم جرير بن عبد الله البجلي، والذي أصبح من فضلاء الصحابة، وممن روى حديث المسح على الخفين.
وقد تنبأ في هذا العام رجلان من العرب، وهما مسيلمة الكذاب في بني حنيفة باليمامة، والآخر الأسود العنسي اليمني، أما الأول فقتل في حروب الردة، وأما الأسود فقتل في اليمن لكن خبر موته لم يصل إلا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ونختم حوادث هذه السنة بنزول الآية التشريعية الكاملة وهي قوله تعالى: { ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإِسْلٰمَ دِيناً } [المائدة: 3].
وهكذا في هذه السنة التحق النبي صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى تاركاً أمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، ومخلفاً أعظم معجزاته الخالدة وهي القرآن الكريم وسيرته الشريفة، وخلفاؤه الراشدون وصحابته الأبرار.
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الأمين، وعلى آله وصحابته أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
والله الموفق والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.