الرؤية الحياتية للسيرة النبوية

سعادة الأستاذ الدكتور عمرو خالد

عمّان- المملكة الأردنيّة الهاشميّة

عُرضت السيرة النبوية في ال 100 سنة الأخيرة على أنها السيرة التنظيمية العسكرية الحركية السرية وأن هذا التقديم هو أحد الأسباب في ظهور العديد من الأفكار والتيارات العنيفة والمتطرفة. كما أن هذه القراءة جعلت السيرة بعيدة عن حياة الناس. و أماتت مفهوم الإنسانية المتمثل في الخير والجمال والحب وكذلك أماتت مفهوم الرحمة للعالمين الذي هو صلب الرسالة النبوية الشريفة {وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107].
حتى كلمة سنة النبي فهمت خطأ في عرف عموم المسلمين على أنها الالتزام الشكلي أو التعامل المتشدد.. في حين أن حقيقة السنة هو كيف تعيش حياة الإنسان الكامل نجاحاً وخلقاً والمتمثلة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم.
بناءً على ما سبق فإننا ندعو لقراءة جديدة للسيرة النبوية.. نريد قراءة حياتية لسيرة النبي بحيث يستطيع كل مسلم وغير مسلم أن يجد في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم نموذجاً يعيش به في حياته اليومية.. نحن نريد أن نعيش حياة النبي وليس عصر النبي..
حياة النبي هي أخلاقه و رحمته ومعاملاته أما العصر فهو يتغير ويتطور باستمرار.. بهذا الفهم فقط سندرك معنى قوله تعالى {وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ ٱللَّهِ} [الحجرات: 7] هو فينا لأننا نجد في حياته ما يحقق النجاح والسعادة لحياتنا.
السيرة حياة.. طريقة جديدة ستكون أكثر جاذبية للشباب من العرض المتطرف المنغلق على الفكرة الجهادية والحركية فقط.
أغلب الكتب التي كتبت في السيرة في المائة سنة الأخيرة لم تقدم فكرة أن السيرة حياة.. مما كوّن انطباع لدى المسلمين أن القراءة السياسية والعسكرية هي فقط سيرة النبي فمثلاً نجد أنهم يقدمون السيرة في المدينة على أنها مجموعة من الغزوات.. في حين أن النبي عاش بالمدينة عشر سنين.. بينما عدد الغزوات التي غزاها النبي سبع وعشرون غزوة على الأغلب.
إذا حسبنا عدد أيام القتال والسفر و الأعداد لهذه الغزوات السبع وعشرين ستجد أنها في المتوسط تحتاج إلى 20 يوم في المتوسط لكل غزوة أي حوالي 540 يوم أي سنة وخمسة أشهر تقريباً. فأين باقي العشر سنين… لقد قضاها النبي كلها في إعمار الأرض والبناء والعمل والإنتاج والتعليم لهذه الأمه.. فكيف اختزلنا سيرة النبي هذا الاختزال المخل وأين الجهود المخلصة لإظهار الجوانب الحياتية المشرقة في حياة النبي.
فإذا أردنا أن نرى السيرة حياة فإن مكونات حياة الإنسان المعاصر من الممكن أن نجمعها في خمس احتياجات أساسية:

  1. الأرزاق.
  2. العلاقات الناجحة السعيدة.
  3. حل الأزمات والمشكلات.
  4. الطموحات وآفاق المستقبل.
  5. الاحتياج الروحي
    فإذا استطعنا أن نقرا السيرة في ضوء هذه الخمسة فإننا سنكون قد ربطنا حياة الإنسان المعاصر برسول الله ربطاً كاملاً ونكون في نفس الوقت قد حمينا شبابنا من التفسيرات الضيقة المؤدية للعنف وإلى التطرف.
    إذاً الفكرة هي القراءة الحياتية للسيرة في ضوء احتياجات الناس خاصة الشباب وهذه الاحتياجات هي: الأرزاق، العلاقات، الأزمات، الطموحات، الروحانيات.

هذه هي الفكرة وأما الأمثلة على ذلك فهي كثيرة:

  1. مثال الأرزاق: النبي يعمل منذ كان عمره 8 سنوات.. اشتغل راعي غنم من سن 8 : 12 ليعلم الشباب قيمة العمل وأن العمل أياً كان ليس عيباً.
    ثم عمل بالتجارة وهو في سن 12 سنة وظل – حتى الهجرة – يعمل بالتجارة.. باع واشترى وسافر ومارس كل أعمال التجارة سواء بالشراكة أو الوكالة بل حتى بالتصدير لخارج المدينة وكان له وكلاء وصنع المال الوفير لذلك يجب أن نغرس ثقافة الكفاح والعرق للنجاح في العمل و يجب أن نقاوم فكرة فقر النبي فهو لم يكن فقيراً لأن ثقافة الفقر استخدمت لدغدغة مشاعر الفقراء ليرتضوا الفقر ولا يعملوا بحجة الاقتداء بالنبي وهذا كذب يسهل كشفه بالقراءة الحياتية للسيرة.
  2. مثال العلاقات : جعل النبي حب الوطن من الإيمان وأعلن حبه لوطنه وشجع الناس عليه و رأى الوطن هو الحاضن للدين وبكى لفراق وطنه ورفض أن تراق قطرة دم واحدة وهو يدخل مكة و لم يحاول أن يبني مسجد في مكة حتى لا يصادم أهل بلده وإنما بناه أول ما وصل إلى المدينة.
    و أسس علاقات الناس على الرحمة والإنسانية في حين نرى تدين قائم على هشاشة الإنسانية.. بل إنه تدين ضد التدين.. لأن العلاقات النبوية تحكمها فكرة الرحمة والإنسانية.
  3. مثال حل الأزمات: طريقة النبي في حل الأزمات هي البحث عن السلام الاجتماعي.. حتى في الحرب حول النبي استراتيجية الحروب من حروب لسنوات طويلة إلى فكرة الغزوات.. لأن الغزوة تعني قصر المدة لتصل إلى ساعتين أو ثلاثة على الأكثر فيقل عدد القتلى.. لقد كان يدخل إلى المعركة بهدف الخروج السريع منها.. النبي كان يدخل المعركة ليخرج منها بالضغط على الخصم ليلجأ إلى التفاوض والسلام.. في حين أن ما تم عرضه من السيرة هو التركيز على الجانب الصراعي العنيف وهذا ليس صحيح.

طريقة العمل

  1. قرأنا السيرة مقطع مقطع وفق الترتيب الزمني ثم كوّنا ورش عمل لاستخراج القواعد الجامعة لطريقة تعامل النبي مع كل قسم من الأقسام الخمسة (الأرزاق، العلاقات، الأزمات، الطموحات، الروحانيات) لنستخرج مجموعة من الطرق والمناهج النبوية نحولها إلى أسلوب عملي معاصر للتعامل مع مكونات الحياة الخمسة.
  2. تحويل قراءة السيرة لإجراءات عملية قابلة للتنفيذ المباشر في حياة الإنسان المعاصر ليكون أكثر أخلاقاً ونجاحاً وانتماءً لوطنه.

المنتجات :

  1. برامج فضائية عن حقيقة السيرة.
  2. إصدار سلسلة من الكتب عن القراءة الحياتية للسيرة.
  3. منتجات علمية تقدم كأبحاث ورسائل ماجستير ودكتوراه عن القراءة الحياتية للسيرة النبوية وعن علاقة السيرة بمجالات الحياة المختلفة.
  4. منتجات قصيرة جذابة وإبداعية على الإنترنت لحماية الشباب من الأفكار المتطرفة التي تبث أساساً عبر شبكة الإنترنت.
  5. تدريب مستمر لأئمة المساجد على هذا الفهم للسيرة ليكونوا دعاة لها.

هذا العمل يحتاج جهود متواصلة ودعم كبير وإشراف مستمر من علماء الإسلام الكبار.. والله الموفق للعمل على إرضاء الله ورسوله و حتى يجد كل مسلم رسول الله في أعماق نفسه وحياته {لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} [التوبة: 128].